رئيس الغرفة الأمريكية لـ”كابيتال”: بيئة الاستثمار “مليئة بالعناكب”.. وإزالة أحدها يرفع الصادرات 15 مليار دولار

طارق توفيق

مصر لديها فرصة واعدة لتكون من أهم الاقتصاديات على مستوى العالم شريطة أن تعي المعوقات الإجرائية وتدهس العناكب الموجودة داخل بيئة الاستثمار”.. حسبما قال المهندس طارق توفيق رئيس غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة ووكيل اتحاد الصناعات المصرية.

وقال توفيق في حوار مطول مع “كابيتال”، إن مصر اتخذت خطوات جريئة لاستعادة الثقة في اقتصادها دون حدوث أي قلقلة سياسية واجتماعية ما طمئن المستثمرين على مناخ العمل.

وخلال الحوار، قدم “توفيق” شرحًا وافيًا لمعوقات الاستثمار في مصر ومساعي الدولة لتهيئة بيئة الأعمال، وعرض رؤية مستفيضة لكيفية تحقيق أهداف مصر 2030 ومستقبل التعاون بين الدولة والقطاع الخاص.

“كابيتال”: كيف تقيم خطوات الدولة لتهية مناخ الاستثمار الفترة الماضية؟

“توفيق”: دور الدولة في تهيئة مناخ الاستثمار ظهر جليًا في مشروعات البنية الأساسية التي تعد أحد أهم أساسيات الاستثمار، فمن كان سيقبل على الاستثمار في دولة لا تمتلك شبكة طرق جيدة ولديها مشكلة في الكهرباء.. كل ما تم الفترة الماضية من العناصر الأساسية لتشجيع وانسياب الاستثمار في مصر سواء الاستثمار الأجنبي أو المنفذ عبر القطاع الخاص.

لن نصل لـ100 مليار دولار صادرات بالطرق التقليدية .. الأمر يتطلب جذب استثمار أجنبي “مستهدف”

لدينا في مصر حاليًا كم من الإيجابيات المشجعة للاستثمار لكن هناك أيضًا بعض السلبيات التي تعرقل تدفقه، وبشكل عام يهم المستثمر أن يجد رؤية واضحة للتوجه الاقتصادي وهذا أصبح متوفر رغم وجود بعض المعوقات.

“كابيتال”: وما تقييمك للتعديلات التي أدخلتها الحكومة على التشريعات المنظمة للاستثمار؟

“توفيق”: شهدت السنوات الماضية تغير ملحوظ في العديد من التشريعات المحفزة للاستثمار إذا خطت الدولة خطوات في غاية الأهمية في هذا الملف، ولعل أهم الخطوات تعديل قانون 203 المنظم لشركات قطاع الأعمال، الذي يمكن وصفه بالطفرة السياسية الرهيبة والجراءة غير المسبوقة رغم المقاومة الكبيرة.

المقاومة ليست لإقرار القوانين فقط بل لتنفيذها على أرض الواقع .. البيروقراطية مازالت معوقة سواء بمقولة “فيه أيادي مرتعشة” أو بمقولة الحفاظ على حق الدولة.

البيروقراطية مطلوبة في كل اقتصاد، هي آلية للرقابة والمتابعة والمراجعة، وهذا ليس خطأ إنما مطلوب وضوح وشفافية البيروقراطية.

رئيس الغرفة الأمريكية: مصر وجهة استثمارية “رخيصة” لكن الإجراءات المطبقة تجعلها “مكلفة”

بالإضافة للبيروقراطية هناك معوقات أخرى تؤثر على الاستثمار الأجنبي أهمها زمن وتكلفة الإفراج الجمركي عن السلع وخامات الإنتاج.. التجارة وانسياب التجارة جزء لا يتجزء عن الإنتاج، بمعنى إذا أردت كمستثمر استيراد خامات انتاج وتم إعاقتها في المنافذ الجمركية، فإن عجلة الإنتاج تتعطل بالكامل كما إن التكلفة سترتفع بشكل كبير وهذا يؤثر بشدة في ظل ما نعيشه من جو تنافسي “رهيب”.

“كابيتال”: دائمًا ما يتم الترويج لمصر باعتبارها وجهة استثمارية “رخيصة” لكن معدلات الاستثمار الأجنبي لا تعكس ذلك.. ما السبب؟

“توفيق”: بالفعل مصر وجهة استثمارية رخيصة لكن الإجراءات المطبقة تجعلها مكلفة، على سبيل المثال يستغرق الإفراج الجمركي عن البضائع في مصر في حدود 16 يوم وتقدر تكلفة الإفراج عن الكونتينر 1000 دولار، في حين تصل مدة الإفراج في أوروبا 3 ساعات ونصف وتقدر تكلفة الإفراج عن الكونتينر بـ 30 دولار فقط.. لدينا مشكلة كبيرة، هذا المعوق يحد من رغبة الاستثمار الأجنبي.

الفكر الاستثماري للدولة في طور التغيير وعليها التخارج من مشروعات البنية التحتية

التجارة عبر الحدود تصنف معبر.. هناك فرق بين تصنيفها كمعبر أو محطة تحصيل أو فحص، في مصر هذا المعبر محطة تحصيل وفحص، وبالتالي هناك جهات عديدة متشابكة عند الإفراج عن سلعة مثل هيئات سلامة الغذاء و الرقابة على الصادرات والواردات ومصلحة الجمارك ومصلحة الفحص الكيماوي والفحص الزراعي.

أمريكا أو أي دولة أوربية حين تستورد منتجات من دول متخلفة تفرج عنها في 3 ساعات ونصف ونحن نأتي بالبضائع من الدول المتقدمة ونفرج عنها في 16 يوم.

“كابيتال”: وكيف عالجت أمريكا وأوروبا مشكلة الإفراج الجمركي؟

“توفيق”: يستخدمون منظومة ذكية، تلك المنظومة تستخدم الذكاء الصناعي الذي يحدد أي سلعة يتم فحصها أو لا يتم فحصها.

تعديل قانون قطاع الأعمال العام طفرة سياسية.. وتصفية “الحديد والصلب” جراءة غير مسبوقة

بمعني أن سلعة قادمة من منتج معتمد عالميًا من دولة من الدرجة الأولى لمستورد معتمد لا يتم فحصها ويتم الاعتماد على الإفراج المسبق من المصدر، في حين يتم فحص السلع الواردة من مستورد تشوبه الريبة يستورد من مصدر غير معلوم.

“كابيتال”: كانت وزارة المالية أصدرت قائمة بيضاء للمستوردين لتسهيل الإفراج الجمركي.. ألم يٌحدث ذلك تغييرًا؟

“توفيق”: القائمة البيضاء تضم 75 شركة فقط .. المفروض كل الشركات المصرية تكون قائمة بيضاء والاستثناء فقط لمن يتم فحصهم مثلما يحدث في جميع أنحاء العالم.

السيسي استغل رصيده السياسي واتخذ خطوات اقتصادية عوضت ما لم يحدث في 30 سنة

الإفراج الجمركي أحد أساسيات الاستثمار وعدم حل تلك المشكلة قد تتسبب في عدم دخول بعض المستثمرين للسوق المصري.

في دراسة حديثة تم إعدادها بواسطة الأمم المتحدة أظهرت أن فرص تصديرية بقيمة 15 مليار دولار تضيع على مصر من منتجات نقوم بتصديرها لأسواق نصدر لها بسبب معوقات إجرائية مثل استخراج رخصة أو إضافة منتج جديد أو الحصول على قطعة أرض بشكل سريع أو تنفيذ توسعات جديدة أو الحصول على تصاريح.

الأمر الجيد أن الدولة بدأت تعي تلك المشاكل وتسعى لحلها بشكل سريع، لكن المقاومة عنيفة.. ملف الاستثمار مليء بالعناكب .. وأحد العناكب المعوقات الإجرائية.

المناطق الصناعية لا جدوى لها و”التجمعات المتكاملة” السبيل الوحيد لدمج المستثمر الصغير في المنظومة

عملية التخارج من الماضي تستلزم مجهود كبير حتى يتم تكسير كل المفاهيم القديمة.. لكن نحن كقطاع خاص مستعجلين.

“كابيتال”: تقصد أن ملف تخصيص الأراضي لا يزال به معوقات؟

“توفيق”: “معندناش مشكلة في الأراضي عندنا مشكلة في آلية تخصيص الأراضي”.. في السابق كان يتم طرح الأراضي في مزادات فيستحوذ عليها سماسرة الأراضي ويقوموا بتسقيعها وبيعها للمستثمرين بأسعار مرتفعة، حاليًا هناك خلاف على ولاية الأراضي، القانون أسند ولاية الأراضي لهيئة التنمية الصناعية، في حين ترى هيئة المجتمعات العمرانية أنها أحق بالولاية لقدرتها على طرح الأراضي بتكلفة أقل.. المستثمر “ميفرقش معاه الولاية عند مين .. هو يحتاج أرض مرفقة بسعر مناسب”.

“كابيتال”: هل اختلفت السياسة الصناعية للدولة وما تقييمك للتجمعات الصناعية؟

“توفيق”: لازالت السياسة الصناعية التي تحدد أولويات الدولة في طور إعادة النظر فيها.. على سبيل المثال ظهر بوضوح أن المناطق الصناعية لا جدوى لها ، وإن الأفضل التوجه نحو التجمعات الصناعية مثل مدينة الأثاث والروبيكي رغم تعثرهما.

فكرة التحول من المناطق الصناعية الى التجمعات الصناعية المتكاملة فكرة جيدة جدًا، ستساعد على دمج المستثمر الصغير في المنظومة الاقتصادية.

لدينا فرص كبرى لاستقطاب الشركات العالمية التي تفكر في الخروج من الصين بعد أزمة كورونا

كل الصناعات المغذية في دول العالم شركات صغيرة ومتوسطة، وفي مصر 90% من الشركات صغيرة ومتوسطة.. و50% من اقتصاد مصر عشوائي ، وهنا نقول عشوائي لأنه غير قادر على التعامل مع المنظومة الإدارية والبيروقراطية.. يشتغل وينتج خارج المنظومة دون رقابة.

فكرة التجمعات الصناعية موجودة من 30 سنة ومبنية على أساس دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية، وتعظيم دور الصناعات المغذية في الاقتصاد.

دور الدولة هنا هو وضوح السياسة الصناعية في هذا التوجه، والعمل على جذب المستثمرين الاجانب وإعطائهم كافة التسهيلات بشرط تنمية الصناعات المغذية في مصر وتدريبها.

“كابيتال”: كيف تصل مصر لـ100 مليار دولار صادرات؟

“توفيق”: لو اشتغلنا بالطريقة التقليدية لزيادة الصادرات لن نصل لهذا الرقم.. سنصل عندما نتبع أساليب جديدة، تبدأ من استقطاب شركات كبرى “مستهدفة” في قطاعات محددة، وإعطائها كافة التسهيلات التي تمكنها من العمل والتصدير بمليارات الدولار.. كأن نستهدف استقطاب شركات الكترونيات أو ملابس كبرى والإتفاق معها على أن يصبح مصنعها في مصر مركزًا للتصدير لعدد كبير من دول العالم بأرقام مستهدفة مقابل حوافز وتسهيلات يتم الإتفاق عليها.

“كابيتال”: وهل تستطيع مصر استقطاب تلك الشركات؟

“توفيق”: في الوقت الحالي هناك فرصة كبيرة لمصر لاستقطاب مثل هذه الشركات، خاصة أن هناك بعض الكيانات ستهاجر من الصين خلال الفترة المقبلة لسببين، الأول ارتفاع أجور العمالة الصينية والثاني اتجاه بعض الشركات العالمية بعد أزمة كورونا للتفكير في أن تكون مراكز الإنتاج بالقرب من مناطق الاستهلاك ولا تكون مقتصرة على الصين.

مشروعات الدولة الكبرى في البنية التحتية أهم أساسيات جذب الاستثمار

بلاد مثل الهند وبنجلاديش وفيتنام تستحوذ على نصيب الأسد في استقطاب الشركات المهاجرة من الصين، وعلى مصر أن تفكر جيدًا في الاستفادة من الأمر.

هذا الاستهداف سيحقق لمصر تنمية صناعية ونقل تكنولوجيا ومهارات وتدريب بالإضافة الى عوائد تصديرية كبيرة.

“كابيتال”: فاتورة الاستيراد تحد دائمًا من مساعي خفض العجز التجاري.. كيف يمكن السيطرة على ذلك؟

“توفيق”: طبقا لاحصائيات صندوق النقد الدولي، مصر تستورد بقيمة تعادل 28% من الناتج المحلي الإجمالي ولديها عجز تجاري، في حين دولة مثل فيتنام تستورد بما قيمته 105% من اقتصادها ولديها فائض تجاري.. مشكلتنا في التصدير وليست في الإستيراد.

“كابيتال”: كيف تغير فكر الدولة الاستثماري السنوات الماضية؟

“توفيق”: لازال في طور التغيير والتطور.. في السابق كان فكر الدولة يرتكز على الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية بسبب تقاعس القطاع الخاص، حاليًا اتخذت الدولة خطوات في غاية الأهمية مثل التخارج من قطاعات استثمارية كبرى كالحديد والصلب والأسمنت والاتجاه للاستثمار في السيارات الكهربائية عبر إحياء شركة النصر للسيارات.

زمن وتكلفة الإفراج الجمركي معوق رئيسي للمستثمرين و”القائمة البيضاء” يجب تعميمها على كل الشركات

في رأيي تصفية شركتي الحديد والصلب والقومية للأسمنت كانت خطوات سياسية مهمة بتعطي رسالة في منتهى القوة أن الدولة بتتخارج من بعض الصناعات التي تكبدها خسائر، لكن في نفس الوقت اتجهت لإنشاء مجمع ضخم للغزل والنسيج في خطوة تثير التساؤل.

“كابيتال”: في رأيك أي الصناعات التي يمكن أن تستثمر فيها الدولة؟

“توفيق”: الدولة لها دور استثماري في الصناعات التي لها مستقبل بمعنى ألا تذهب الدولة للاستثمار في الصناعات التي يقوم بها القطاع الخاص حتى لا تزاحمه، او الصناعات التي لن تكون للتكنولوجيا الخاصة بها أية قيمة مضافة بعد 10 سنوات، أو الصناعات المستهلكة مثل الملابس والأجهزة الكهربائية والصناعات الغذائية.

الجمارك الأوروبية تفرج عن واردات الدول المتخلفة في 3 ساعات ومصر تفحص منتجات الدول المتقدمة في 16 يوم

الدولة يجب ان تستثمر في الصناعات المستقبلية مثل الطاقة النووية وتكنولوجيا الذكاء الصناعي والبطاريات.
اتجاه الدولة للاستثمار في السيارات الكهربائية جيدًا جدًا، لكن لابد أن يكون دور الدولة فيها محدد بمدة حتى تقوى الشركة ثم يتم طرحها في البورصة والتخارج تدريجيا، واستثمار عوائدها في قطاعات جديدة لها مستقبل.

“كابيتال”: وأي القطاعات التي يجب أن تتخارج منها الدولة؟

“توفيق”: أرى أن الدولة يجب أن تتخارج من مشروعات البنية التحتية لصالح القطاع الخاص، حتى ترفع عبء الدين من عليها وتستطيع الدولة سد ديونها من العوائد.

الحكومة أحدثت تغيّر ملحوظ في تشريعات الاستثمار رغم مقاومة البيروقراطية و”الأيادي المرتعشة”

هناك رغبة كبيرة من شركات محلية وأجنبية للاستثمار في مشروعات البنية التحتية مثل محطات تحلية المياه والكهرباء والطرق ومعالجة السفن وإدارة الموانئ والمطارات.

“كابيتال”: هل نجحت الدولة في ملف خفض الدعم؟

“توفيق”: بالفعل، الدولة حولت مخصصات الدعم من الإنفاق على الأكل والشرب والكهرباء، للبنية التحتية والصحة والتعليم.. أي تخلصت من منظومة الدعم الاستهلاكي وتحولت الى دعم إنتاجي، وفي نفس الوقت تم عمل مظلة اجتماعية للفئات المهمشة.

“كابيتال”: سعر الغاز للمصانع محل خلاف دائمًا بين الحكومة والقطاع الخاص.. هل يستلزم الأمر تعديلاً؟

“توفيق”: لا شك أن خفض سعر الغاز للمصانع سيؤدي الى خفض عوائد وزارة البترول، لكن يجب ان ننظر للأمور بنظرة فوقية ونتسائل ما هو العائد الذي سيعود على الدولة ككل عند خفض الغاز للمصانع، وهنا تحدد رؤية للدولة ككل.
سعر الغاز مؤثر في تنافسية الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، فإذا أرادت الدولة أن تحافظ على تنافسيتها فيجب أن يتم تعديل سعر الغاز لها، في حين لا يتم تعديلها للصناعات التي لا يمثل الغاز قيمة كبيرة من تكاليف الإنتاج.

“كابيتال”: أخيرًا هل استعاد اقتصاد مصر الثقة؟

“توفيق”: مصر اتخذت خطوات قوية وجريئة لاستعادة الثقة في الاقتصاد المصري بالتعاون مع البنك الدولي وصندوق النقد .. اتخذنا خطوات في منتهى القوة “مفيش دولة في العالم خدت تلك الإجراءات التعسفية ومحصلش أي قلقلة سياسية واجتماعية” ما أعطى ثقة للمستثمرين أن مصر بلد آمنة ومستقرة.

50 % من اقتصاد مصر عشوائي و90% من الشركات صغيرة ومتوسطة

لو حصل 10% من الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها مصر في أي دولة كانت ستعاني من أزمات سياسية مثلما حدث مع فرنسا.. كل ذلك بسبب تماسك وتجانس الدولة.

الرئيس السيسي استغل رصيده السياسي بذكاء واتخذ خطوات اقتصادية عوضت ما لم يحدث في 30 سنة.

آخر 7 سنوات مصر حققت طفرة غير مسبوقة ساهمت في وضعها على الطريق الذي تستحقه .. اتخذت خطوات جريئة سياسية واقتصادية واذا استمرت على هذا الشكل اعتقد سيصبح لديها فرصة لتكون من أهم الاقتصاديات في العالم شريطة أن “تعي المعوقات و العناكب الموجودة عشان واحنا ماشيين نذللها وندوس عليها”.