أسهمت الجائحة ا في إحداث ثورة طالت المدفوعات الرقمية، كما أسهمت في إعادة تشكيل التوقعات المستقبلية. وبات المستهلكون اليوم يطالبون بخيارات مرنة للدفع يتم إنجازها على الفور خلال تجاربهم الرقمية. ومع أن البنوك وشركات التكنولوجيا المالية والتجزئة وغيرها من الشركات تقوم بتحديث تطبيقاتها ومنتجاتها وإضافة المزيد منها لمواكبة هذا التحول، يستغل المجرمون السيبرانيون نقاط الضعف في كل فرصة. لكن كيف يتم التصدي لهذه المعضلة من قبل الجهات المتخصصة التي تواجه هذا النوع من الممارسات الاحتيالية؟ استجابة لذلك، أجرت وكالة “جافلين للاستراتيجية والأبحاث” Javelin Strategy & Research بالتعاون مع “ساس” الشركة الرائدة في مجال التحليلات، دراسة ركزت فيها على الممارسات الاحتيالية في عالم المدفوعات بعنوان: “اتجاهات الاحتيال الرقمي العالمية: تقييم الماضي والحاضر والمستقبل”، ليتم من خلالها اكتشاف مناخ الاحتيال في 12 دولة، ولتقدم على ضوئها ثماني توصيات لمواجهة هذا التحدي الخطير.
وقالت غروزدانا ماريك، رئيسة المعلومات الأمنية والاحتيال الإقليمي، لمناطق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ في شركة “ساس”: “عندما ننظر إلى السنوات الخمس عشرة الماضية، يمكن الخروج بنتيجة مفادها أن الجرائم المالية والاحتيال لم تختف بل تطورت كثيراً، مما أدى إلى تغيير الأساليب والقنوات والطرق. ويتخذ الاحتيال في الشرق الأوسط أشكالاً متنوعة بشكل متزايد بما يتماشى مع الاتجاه العالمي. وبما أن الأشخاص يقضون المزيد من الوقت على الإنترنت، مع وجود الكثيرين الذين يستكشفون الأنشطة الإلكترونية لأول مرة، فإن المحتالون يعمدون إلى الاستفادة من هذا الأمر، بل يرون فيه فرصة لاستغلال مخاوف المستهلكين ونقص معرفتهم. وعلاوة على ذلك، فإنهم يستهدفون تجربة الهاتف المحمول والتطبيقات الفائقة المستخدمة على نطاق واسع في الشرق الأوسط”.
واختتمت غروزدانا تعليقها بالقول: “إن الاعتماد على الحلول الرقمية في جميع القطاعات يعني أيضاً ظهور مجموعة متنوعة من عمليات الاحتيال المصممة للاستفادة من طرق الدفع الأحدث. ونظراً للسماح للعملاء بالوصول الفوري إلى المنتجات والخدمات، فقد أدى هذا التحول الرقمي إلى زيادة تعرضهم للاحتيال. وفي إطار الاستجابة لمخاطر الجرائم المالية والاحتيال، تم اتخاذ المزيد من الإجراءات والتدابير التنظيمية. ويعمل مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي والبنك المركزي السعودي والسلطات التنظيمية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط باستمرار، على تعزيز الجهود والارتقاء بوعي المؤسسات المالية المرخصة، لمنع جميع أنواع أنشطة الاحتيال والجرائم المالية”.
وقال أحد المسؤولين التنفيذيين الأوروبيين في مجال التكنولوجيا المالية: “تحولت العادات الرقمية إلى معاملات لا تستخدم فيها البطاقات على الإطلاق، ويبدو وكأن الجميع متصلون بالشبكة، بما في ذلك تلك الفئات ممن ينطلقون من نوايا خبيثة. ويبدو جلياً أننا نحرز تقدماً بخطوات كبيرة للسيطرة على ممارسات الاحتيال التي تستهدف عمليات الدفع، وذلك من خلال برامج المصادقة القوية والتعلم الآلي، ولكن ترتب على ذلك تكبّد بعض الخسائر، الأمر الذي يتطلب منها فهم مدى أهمية التخطيط للمستقبل”.
وقال نائب الرئيس لشؤون التحقيقات الخاصة في أحد البنوك الأمريكية: “تمثل ممارسات الاحتيال في الاتصالات و [اختراق البريد الإلكتروني في الشركات] مصدر قلق لفريقي. لقد فرض الوباء تحدياً خطيراً، وجعل من المستحيل تصميم إستراتيجية فعالة لمواجهة الاحتيال، وضمان الحماية الاستباقية، لاسيما وأن المجرمون السيبرانيون يقومون الآن بمزج العديد من الأسماء التجارية ورموز مراكز العملاء والمبالغ المالية في هجمات مؤتمتة قد يكون من الصعب التصدي لها”.
الاقتصاد الرقمي في 2023 يكشف عن اتجاهات احتيال جديدة ذات تأثير عالمي
يمكن القول إن الاقتصاد الرقمي شهد ثورة جامحة في أعقاب جائحة “كوفيد – 19” مباشرة. وأتاحت الزيادة المفاجئة في المعاملات الرقمية وطرق الدفع للمحتالين سبل احتيال جديدة لا يمكن حصرها. وبينما كان محترفو مكافحة الاحتيال يخوضون معركة حقيقية حول التوصل إلى السبل المثالية لحماية المعاملات بشكل مناسب، ركز المحتالون بشكل كبير على البرامج التي يمكن نشرها على نطاق واسع والهجمات القائمة على طرق الهندسة الاجتماعية.
ومع ذلك، تغير هذا المشهد. وفي عام 2023، فإن الاقتصاد الرقمي و “اقتصاد الاحتيال العالمي” قدبقيا معنا، وفق النتيجة التي خلصت إليها دراسة “جافلين”، كما أنهما سيتطوران بالتوازي مع التطورات في عالم الأعمال. ووفقاً للتقرير، تم استبدال المخططات اليومية للعام 2020 بوفرة من ممارسات الاحتيال، بما في ذلك: الحيل الرومانسية وفرص العمل المزيفة من المنزل وخطط الاستثمار الوهمية.
تتسبب هذه البيئة الاحتيالية المتنوعة حسب المنطقة في استفزاز السلطات المحلية والجهات المسؤولة عن مكافحة الاحتيال حول العالم.
ومع أن التهديدات تكون متطابقة إلى حد ما على الصعيد العالمي، تظهر أنواع معينة من الاحتيال وتتزايد بشكل مختلف حسب المنطقة والدولة، الأمر الذي يمثل تحدياً حقيقياً أمام القائمين على مهام مكافحة الاحتيال المحليين والجهات القانونية والحكومات.
ثماني استراتيجيات لمواجهة الاحتيال الرقمي
قدّم التقرير ثماني توصيات تم تسليط الضوء عليها لمكافحة الاحتيال في العصر الرقمي، ومن أبرزها أهمية المصادقة متعددة العوامل والتنبيهات المستندة إلى الحسابات كإجراءات ضرورية لا بدّ من تطبيقها. وشدد التقرير أيضاً على ضرورة دمج حلول المراقبة على منصة واحدة قوية تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
وقالت كريستا تيدر، رئيسة قسم المدفوعات في وكالة “جافلين للاستراتيجية والأبحاث”: “لمساعدة شركات الخدمات المالية على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة تغطي جميع القطاعات، يتعين عليها القيام بعمليات النشر الدقيق لنماذج التعلم الآلي والقياسات الحيوية والأدوات السياقية والتكميلية. ويجب أيضاً أن تعمل الحلول مع بعضها البعض ، وأن يتم توفير الدعم لها من تدفقات البيانات المشتركة، كطريقة مثالية لمكافحة الأدوات والاستراتيجيات المعقدة التي يقبل المجرمون السيبرانيون على استخدامها بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم”.
وقال ستو برادلي، نائب الرئيس الأول لمعلومات الاحتيال والأمن في “ساس”: “لقد تعرض المستهلكون الأمريكيون وحدهم إلى خسارات فادحة بلغ حجمها 8.8 مليار دولار بسبب عمليات الاحتيال خلال العام الماضي، وكان هذا الرقم بمثابة قفزة تجاوزت نسبتها 30% مقارنة مع مستويات 2021 إلى 2022، وفق البيانات الصادرة عن لجنة التجارة الفيدرالية. وتعتبر ثقة المستهلك في نظام الدفع الرقمي العالمي الذي يتسع باستمرار أمراً حتمياً، وتستند هذه الثقة على الشركات التي تستخدم تقنيات مصادقة العملاء المتقدمة ومكافحة الاحتيال بشكل فعال، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والقياسات الحيوية، لاكتشاف ومنع الاحتيال عبر مختلف القنوات”.