لفت نظري قبل ذهابي إلى مقاطعة يوننان بجنوب غربي الصين أنه يطلق عليها “مملكة الحيوانات” و”مملكة النباتات” و”بنك الجينات للأنواع” وغيرها من الألقاب العديدة. على الرغم من أن مساحتها تشكل 4.1 في المائة فقط من مساحة الصين، فإن بها أكثر من نصف الأنواع البيئية المتواجدة في البلاد، وتعد أحد كنوز الصين المهمة في مجال التنوع البيولوجي وحاجز أمني بيئي في جنوب غربي البلاد.
وبالنسبة لي كزائرة جديدة، فمن أبرز أمثلة التنوع البيولوجي في مقاطعة يوننان هو أنواع الخضروات المتواجدة على موائد السكان المحليين بوفرة. فهناك العديد من أنواع الخضروات في الصين، والتي قد لا توجد في الدول الأخرى، ولكن في يوننان على الأخص، يجد زوار يوننان الصينييون أنفسهم أمام أنواع مختلفة تماما من الخضروات لم يروها قط في حياتهم سوى في يوننان ولا يعرفون حتى أسمائها. والأمر الأكثر دهشة هو أن أغلب هذه الخضروات عضوية وتتمع بمذاق طبيعي ومميز.
وحسبما أعلم، فإن حماية النظام الإيكولوجي تعد من أهم الأعمال للسلطات المحلية في يوننان. ووفقا لمديرية الإيكولوجية والبيئة في المقاطعة، فلقد تم إنشاء أكثر من 360 محمية طبيعية من مختلف المستويات والأنواع في المقاطعة، وتمت حماية 90 في المائة من النظم الإيكولوجية النموذجية و83 في المائة من الحيوانات والنباتات البرية في المقاطعة بشكل فعال.
ومن بين مدن مقاطعة يوننان العديدة، تعد مدينة ليجيانغ أحد أثرى المدن بالتنوع البيولوجي. تقع ليجيانغ في الجزء الشمالي الغربي من المقاطعة، في منطقة الالتقاء بين هضبة يوننان-قويتشو وهضبة تشينغهاي-التبت، فتمتع المدينة بموقع جغرافي فريد وتضاريس معقدة، وبها 12 جبلا تتراوح ارتفاعاتها بين 3500 و5000 متر فوق مستوى سطح البحر، كل ذلك جعل منها ملجأ للعديد من الأنواع البيولوجية.
وتحتفظ مدينة ليجيانغ بعدد كبير من المجموعات البيولوجية القديمة والفريدة من نوعها، كما أنها “بنك جينات” مهم للأنواع البيولوجية. ووفقا لأحدث نتائج الأبحاث، يوجد ما يصل إلى 4358 نوعا من النباتات في محافظة يويلونغ بمدينة ليجيانغ وحدها، وهي المحافظة التي تضم أكثر النباتات وفرة في يوننان؛ كما أنها أيضا منطقة توزيع للعديد من نباتات المرتفعات، حيث يوجد هناك عشرات الأنواع من النباتات من نفس الفصيلة في نفس الجبل، من أبرزها الردندرة “Rhododendron” وعشبة القمل “Pedicularis” وزهرة الربيع “Primula” والسحلباوات الجرابية “Cypripedium”، وجميعها يُعد أيضا زهور مرتفعات مشهورة للغاية.
لذا، خلال زيارتي في ليجيانغ، زرت حديقة ليجيانغ لنباتات المرتفعات، وهي واحدة من أهم الهيئات في مجال أبحاث نباتات المرتفعات وحمايتها في الصين، والتي يتراوح ارتفاعها بين 2680 و4300 متر فوق مستوى سطح البحر وتغطي مساحة حوالي 280 هكتارا.
وعلمت هناك أن فريق حديقة ليجيانغ لنباتات المرتفعات قد قام بالعديد من أعمال المراقبة والرصد والتقييم وحماية التنوع النباتي وموارد الأصول الوراثية المحلية. وقال شيوي كون، رئيس الحديقة: “تعد يوننان واحدة من بين الـ36 قاعدة للتنوع البيولوجي الأكثر وفرة في العالم، وتتمتع بوفرة في النباتات وبالتالي وفرة كبيرة في الحيوانات”.
وأضاف شيوي قائلا: “يتمحور عملنا بشكل أساسي حول عمليات المراقبة وحماية التنوع البيولوجي والبحث والتطوير. ولدينا هنا في الحديقة بنك موارد بذور نحتفظ فيه بالبذور على مدى قصير يتوارح بين 5 إلى 30 عاما، بهدف حماية الأنواع والاستفادة منها”.
هذا ويوجد في حديقة ليجيانغ لنباتات المرتفعات أكثر من 2000 نوع من النباتات والزهور التي تستخدم على نطاق واسع في صناعة العقاقير الطبية ومجال التجارة في الزهور، من بينها العديد من الأنواع المعرضة للانقراض والتي تخضع للحماية الوطنية من المستوى الأول في الصين. هذا وتهتم الحديقة بتربية النباتات الفريدة والمعرضة للانقراض بغرض إعادة زراعة شتلاتها في الطبيعة البرية من أجل الاستعادة الإيكولوجية في مناطق المرتفعات.
وقال شيوي كون: “تحتاج بعض أنواع النباتات لفترة طويلة قد تصل إلى عام ونصف أو عامين للإنبات، ولكننا هنا نقوم بتقصير تلك الفترة عن طريق عمليات المعالجة والوسائل التقنية إلى نصف عام تقريبا، فيكون لها بذلك قيمة اقتصادية كبيرة تساعد على تقليل التكلفة للشركات، ويمكن للسكان المحليين أيضا زراعتها على نطاق واسع ومن ثم زيادة دخولهم وتحسين معيشتهم”.
في مقاطعة يوننان، بمدينة ليجيانغ تحديدا، يمكننا رؤية جهود الصين والسلطات المحلية الحثيثة للحفاظ على التنوع البيولوجي، خاصة الأنواع المهددة بالانقراض. فبمجرد التجول في الغابات الجبلية أو تناول الطعام على مائدة محلية، يمكننا رؤية تصميم الصين القوي وجهودها المستمرة وإنجازاتها الملموسة في مجال حماية التنوع البيولوجي.■
بقلم ماهيتاب أحمد