قال وزير الخارجية الصيني تشين قانغ يوم الثلاثاء الماضي إن الصين ترغب في أن تعزز الأمن والاستقرار وأن تكون شريكة للتنمية والازدهار وأن تعزز الوحدة والقوة في الشرق الأوسط وذلك خلال مؤتمر صحفي على هامش الدورتين السنويتين الصينيتين هذا العام.
ففي يوم 10 مارس الجاري، توصلت السعودية وإيران في الصين إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.
وتحققت المصالحة بين اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، في الصين المتمتعة بالتاريخ الطويل من الصداقة العميقة والشراكة الوثيقة مع دول الشرق الأوسط، ما يضفي عناصر الاستقرار والقوة الإيجابية على عالم اليوم المتقلب، ليثمر بذلك مفهوم حسن الجوار الصيني عن نتائج ملموسة في الشرق الأوسط.
دعم الصين محادثات السلام والوساطة في شؤون الشرق الأوسط
وصرح وو سي كه مبعوث الصين الخاص الأسبق إلى الشرق الأوسط للصحافة أخيرا بأن الصين لطالما تلتزم بدعم محادثات السلام في الوقت الذي يواجه فيه العالم قضايا حرجة، مستشهدا بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ قدم إجابة صينية على “أسئلة الشرق الأوسط” في كلمته التي ألقاها في مقر جامعة الدول العربية في مطلع عام 2016 وأكد فيها على أهمية تعزيز الحوارات من أجل حل الخلافات، وتسريع التنمية في سبيل حل المشكلات، واختيار طريق تنموي يتناسب مع الظروف الوطنية الخاصة لكل دولة.
وتابع الدبلوماسي الصيني المخضرم بقوله إنه في القمة الصينية – العربية الأولى التي عقدت في ديسمبر 2022، اتفقت الصين والدول العربية على بذل جهود شاملة لبناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي في العصر الجديد، ما دفع التعاون الودي بين الطرفين.
وفي معرض حديثه عن الزيارة التي أجراها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الصين الشهر الماضي، والتي اتفق خلالها الجانبان على تعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران ودفع العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد.
ولخص وو بقوله إن الصين تنفذ سياسة دعم محادثات السلام، من حيث التصميم الأعلى والتدابير الدبلوماسية، عند التعامل مع الشؤون الدولية والإقليمية.
وبدوره، اتفق وانغ جين الأستاذ المساعد بجامعة شيبي الصينية مع رأي وو، قائلا إن الصين تتابع تطورات شؤون الشرق الأوسط عن كثب، وتلعب دورا بناء في إذابة الخلافات وحل الصراع في المنطقة.
وفي السياق ذاته، قال ليو تشونغ مين الأستاذ بمركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة شانغهاي للدراسات الدولية إن الصين لطالما تدعم دول الشرق الأوسط في التمسك بالاستقلال الاستراتيجي، وتعارض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط.
وأضاف أن المصالحة بين السعودية وإيران أثبتت أن المسار الدبلوماسي الصيني المتمثل في دعم محادثات السلام وحل الخلافات يجد صدى إيجابيا لدى بلدان الشرق الأوسط، وسيصير تطبيع العلاقات السعودية-الإيرانية نقطة انطلاق جديدة سواء للدبلوماسية الصينية أو التنمية بالشرق الأوسط.
تقديم مثال يحتذى به للتنمية السلمية العالمية
استجابة للرئيس الصيني شي جين بينغ بدعم الصين لتطوير علاقات حسن الجوار بين السعودية وإيران، أجرى الوفد السعودي برئاسة الدكتور مساعد بن محمد العيبان وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني السعودي، والوفد الإيراني برئاسة الأدميرال علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، مباحثات في بكين في الفترة من 6 إلى 10 مارس الجاري.
وفي سياق هذا، أوضح نيو سونغ الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية أن الحوار والاتفاق بين السعودية وإيران يمثلان نموذجا جيدا لكيفية حل النزاعات والخلافات في دول المنطقة وتحقيق علاقات حسن الجوار والصداقة من خلال الحوار والتشاور.
وأشار سون ده قانغ مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان الصينية إلى الفرق بين مفهومي الأمن الصيني والأمريكي، قائلا إن “الولايات المتحدة تسعى لتوطيد الأمن من خلال التحالف، لكن الصين تتبع مفهوم الأمن المتمثل في تحقيق وتعزيز الأمن عن طريق التعاون الذي نتج عنه التطور الملحوظ في العلاقات الثنائية السعودية الإيرانية، مما يوضح طبيعة ومحور مفهوم الدبلوماسية الصينية، ويدل على أن الصين صديق موثوق وجدير بالثقة للطرفين”.
مهما كانت الأوضاع العالمية تتغير، تلتزم الصين بمبدأ الإنصاف والعدالة، وتكرس نفسها لدعم دول الشرق الأوسط في السعي لتسوية قضاياها من خلال الحوار والتشاور، وتحترم تماما دول الشرق الأوسط بصفتها سادة شؤونها، وتتعامل مع القضايا الإقليمية على أساس حقائقها، ما يوفر منهجا جديدا لمعاملة العلاقات الدولية مختلفا عن ما يمارسه الغرب، وفق الأستاذ وانغ جين.
وأكد وو سي كه أن تحسين العلاقات بين السعودية وإيران فتح طريقا يؤدي إلى السلم والاستقرار الإقليميين وقدم نموذجا لتسوية الاختلافات والخلافات بين الدول عبر الحوار والتشاور، ويعد ممارسة ناجحة جديدة لتطبيق مبادرة الأمن العالمي التي طرحتها الصين، موضحا أن ما تسعى له الصين هو أمن مشترك ومستدام بدلا من تحقيق الأمن الذاتي على حساب تقويض أمن الآخر.
“يمكن للعالم أن يرى بوضوح أي نوع من مفهوم الأمن يتوافق مع تطلعات الشعوب واتجاه العصر، وأي منها يوفر أفكارا مفيدة في معالجة قضايا الأمن العالمية”، على حد قوله.
ــ سعي للسلام والتنمية اتجاه عصري في الشرق الأوسط وتطلعات شعوبها
يعد التطور المهم الذي تم تحقيقه في العلاقات السعودية ــ الإيرانية بوساطة الصين، بمثابة انتصار للسلام والحوار، كما قدم بشرى كبرى وأرسل إشارة واضحة للعالم الذي يعيش اضطرابات حاليا.
وذكر وو سي كه أنه مع ازدياد الاستقلال الذاتي الاستراتيجي اليوم في الشرق الأوسط، كيفت دول المنطقة استراتيجياتها وأولوياتها السياسية حسب متطلبات المصالح الوطنية الخاصة مع تغيرات الأوضاع الدولية، وأصبح السعي للسلام والتنمية تطلعات شعوب المنطقة، وتركز الدول الشرق الأوسط على التعاون والتنمية سواء ذاتيا أو إقليميا.
وأشار وانغ جين إلى أن الصين لا تسعى إلى تحقيق أي مصلحة أنانية في الشرق الأوسط وتعارض المنافسة الجيوسياسية هناك، موضحا أن الصين ليس لديها نية ولن تسعى لملء ما يسمى بالفراغ أو إقامة كتل حصرية، وتؤمن الصين دائما بأن مصير الشرق الأوسط ينبغي أن يكون دائما في أيدي دول المنطقة.
واتفق الخبراء على أن الصين ستحقق مع دول الشرق الأوسط مزيدا من ثمار التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة التنمية العالمية، وتوسع آفاق التنمية والتعاون في المنطقة، وتساهم بأفكار وحكمة لتحقيق السلام والهدوء في الشرق الأوسط