من مركبة التجوال القمرية “يوتو-2” القادرة على السير على “الجانب البعيد” من القمر إلى الغواصة “فندوتشه” القادرة على استكشاف المحيط بالغوص على عمق 10 آلاف متر، ومن الأرز المقاوم للتربة المالحة والذي ينمو في مسطحات المد والجزر بالقرب من البحر إلى المعدات الصينية غير المأهولة التي تسترشد بنظام بيدو للملاحة عبر الأقمار الصناعية لمساعدة المزارعين الأفارقة على تعزيز غلة المحاصيل… مازالت ملحمة الابتكار الصيني في مجال العلوم والتكنولوجيا مستمرة.
خلال “الدورتين السنويتين” الجاريتين، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ على ضرورة الإسراع بتنفيذ إستراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار، قائلا إن تسريع الجهود لتحقيق الاعتماد على الذات وتقويتها بقدر أكبر في مجال العلوم والتكنولوجيا هو المسار الذي يجب أن تسلكه الصين لدفع عجلة التنمية عالية الجودة.
على مدى 10 سنوات من تنفيذ إستراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار في البلاد، شهدت الصين قفزة في ترتيبها بمؤشر الابتكار العالمي لتصعد من المرتبة الـ34 في عام 2012 إلى المرتبة الـ11 في العام الماضي، مع توسع الاقتصاد بمتوسط معدل سنوي بلغ 6.6 في المائة بين عامي 2013 و2021، والمساهمة بأكثر من 30 في المائة في النمو الاقتصادي العالمي.
كما التزمت البلاد، عند تعزيز قوتها في مجال العلوم والتكنولوجيا، بتقاسم تكنولوجيتها مع الشركاء في جميع أنحاء العالم والتعاون لتحسين الحوكمة العالمية للعلوم والتكنولوجيا.
التنمية المدفوعة بالابتكار
ذكر دارين تانغ المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية أن “الاهتمام الوثيق الذي توليه الحكومة والبلاد للابتكار كمحرك للنمو يؤتي ثماره”.
وفي الواقع، يقف التقدم التاريخي الذي أحرزته الصين في بناء دولة مبتكرة شاهدا على الحكم بأن: العلوم والتكنولوجيا هما القوة الإنتاجية الأساسية، والمواهب هي الموارد الأساسية، والابتكار هو المحرك الأساسي للنمو.
إن استراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار التي طُرحت في المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني قادت الصين إلى الانضمام إلى صفوف المبتكرين في العالم، ونجحت على مختلف الأصعدة خلال العقد الماضي.
فقد وسعت البلاد من إنفاقها على البحث والتطوير من تريليون يوان (حوالي 145 مليار دولار أمريكي) إلى 3.09 تريليون يوان (حوالي 445 مليار دولار) في العقد الماضي، وهو ثاني أعلى مستوى في العالم، مع ارتفاع كثافة البحث والتطوير من 1.91 في المائة إلى 2.55 في المائة، وفقا لما ذكرته وزارة العلوم والتكنولوجيا.
علاوة على ذلك، قامت الصين بالتنسيق بين خطتها للابتكار وإستراتيجيتها الرامية إلى تحقيق نهضة الصين من خلال العلوم والتعليم، والتي تركز على التنمية القائمة على إحراز تقدم في العلوم والتكنولوجيا، وإستراتيجية تنمية القوى العاملة التي تركز على تنشئة مواهب عالية الجودة. والآن أصبحت البلاد موطنا لأكبر مجموعة من العاملين في مجال البحث والتطوير على مستوى العالم.
وبالإضافة إلى الدعوة إلى التحرك بشكل أسرع نحو الاعتماد على الذات في العلوم والتكنولوجيا، تعهد شي في أواخر يناير ببذل مزيد من الجهود لضمان تخصيص أفضل للموارد المتعلقة بالابتكار لجعل البلاد رائدة عالمية في مجالات العلوم والتكنولوجيا الرئيسية وكذا رائدة في مجالات متقدمة متعددة التخصصات، وضمان أن تصبح الصين مركزا عالميا رئيسيا للعلوم والابتكار في أقرب وقت ممكن.
منافع عامة عالمية
تمتد الآثار الناتجة عن التنمية المدفوعة بالابتكار في الصين إلى ما هو أبعد من حدودها.
فالصين، التي تمتلك أطول شبكة سكك حديدية فائقة السرعة وأكثرها استخداما في العالم، تساعد العديد من الدول على بناء وتطوير النقل بالسكك الحديدية لديها بتكنولوجيا السكك الحديدية المتقدمة (الصينية).
وفي هذا الصدد، ذكر نائب رئيس البنك الدولي لجنوب آسيا مارتن رايزر أن تكنولوجيا السكك الحديدية الصينية من شأنها أن تجلب التنمية الحضرية، والسياحة، والنمو الاقتصادي الإقليمي.
والمثال على ذلك خط سكة حديد الصين- لاوس، وهو مشروع بارز في إطار الحزام والطريق. فمنذ بدء تشغيله في ديسمبر 2021، أصبحت لاوس غير الساحلية محورا بريا في جنوب شرق آسيا. وأوجد القسم الذي يمر عبر لاوس من خط السكة الحديد أكثر من 110 آلاف وظيفة محلية.
من خلال آليات متعددة الأطراف مثل مبادرة الحزام والطريق والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، أتاحت إنجازات الصين في مجال العلوم والتكنولوجيا خيارات جديدة في مجالات اتصالات الجيل الخامس والطب الحيوي والعديد من المجالات، بينما وفرت أيضا زخما للنمو.
في هذا السياق، قال قو تشينغ يانغ، الباحث في جامعة سنغافورة الوطنية، إن التطبيق الواسع لإنجازات الصين في مجال العلوم والتكنولوجيا لا يسهم فقط في الارتقاء بالصناعة المحلية، وإنما يعطي أيضا زخما للمناطق المجاورة.
وبالمثل، في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2023 الذي عُقد في وقت سابق من هذا العام، قالت سعدية زهيدي، المديرة الإدارية للمنتدى، “عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا والابتكار، فإن الكثير مما يتم تطويره في الصين سيغير العالم”.
بالنظر إلى حجم اقتصادها، ستساعد الصين في تعزيز النمو العالمي وتضخ التفاؤل على الأمدين المتوسط والطويل، وفقا لما قالته زهيدي لوكالة أنباء ((شينخوا)).
— الحوكمة العالمية للعلوم والتكنولوجيا
إن الصين لن تقوم أبدا بالابتكار خلف أبواب مغلقة. لهذا السبب كرست البلاد جهودها للنهوض بالحوكمة العالمية في مجال العلوم والتكنولوجيا.
في أواخر فبراير، جدد شي دعوته إلى تعزيز انفتاح وثقة وتعاون المجتمع الدولي للعلوم والتكنولوجيا وتقديم مساهمات جديدة وأكثر أهمية لتقدم الحضارة الإنسانية.
على مدى السنوات الأخيرة، اعتمدت الصين أدوات سياساتية مختلفة لتعزيز التعاون العالمي في مجال العلوم والتكنولوجيا، وفتحت بنية تحتية علمية واسعة النطاق، واشتركت في إنشاء منصات للبحث والتطوير، ووسعت نطاق الابتكار المفتوح ومجاله وحجمه.
وفي مثال نموذجي على ذلك، دعت الصين إلى توسيع نطاق التعاون الدولي في قطاع الفضاء. إذ قال رائد الفضاء الروماني دوميترو بروناريو إن الصين “دعت بالفعل جميع الدول لإجراء تجارب علمية” في محطتها الفضائية تيانقونغ. وبالإضافة إلى ذلك، ترحب البلاد أيضا بإجراء تعاون أوسع في استكشاف الفضاء السحيق.
وانخرطت الصين في تعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا مع أكثر من 160 دولة ومنطقة، حيث شاركت في مشاريع علمية عالمية مثل برنامج المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي– وهو أحد أكثر مشاريع الطاقة طموحا في العالم، ومشروع مصفوفة الكيلومتر المربع– وهو مشروع حكومي دولي للتلسكوب الراديوي.
من ناحية أخرى، فإن الانتقال المتسارع للبلاد من “صنع في الصين” إلى “اُبتكر في الصين” يُظهر للعالم النامي كيفية استكشاف مسار التنمية الذي يناسب ظروفه الخاصة.
وقد قال محمد عبد الفتاح مصطفى، رئيس الاتحاد العربي للتعليم والبحث العلمي، في حديثه لـ((شينخوا))، إن تجربة الصين في التعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا “ملهمة” للدول العربية.
وأضاف أن تعاونها مع الدول النامية الأخرى في التعليم والبحث العلمي وتوطين التكنولوجيا سيساعد في خلق مجتمع دولي جديد قائم على التعاون وتبادل المنافع وتحقيق الفوز المشترك