شينخوا: لمحة عن الديمقراطية الصينية من منظور “الدورتين”

الصين

“إذا أُوقظ الناس فقط للإدلاء بأصواتهم ثم دخلوا في سبات بعد ذلك، فهذه ليست بديمقراطية حقيقية”.

يتعارض هذا السيناريو المتصور، حيث يحق للناس الانتخاب، ولكن ليس المشاركة، مع الكتاب الأبيض الصادر في 2021 بعنوان “الصين: الديمقراطية الفاعلة“، إذ لم يحدث هذا السيناريو قط في الصين. بالنسبة للصينيين، تدور القصة دائما حول مشاركتهم في الانتخابات والمشاورات وصنع القرار والإدارة والرقابة بشكل ديمقراطي وفقا للقانون، وتشكيل ما يعرف بالديمقراطية الشعبية الكاملة العملية.

ما هي الجوانب الأكثر إثارة في هذه الفكرة؟ كيف تضعها الصين موضع التنفيذ؟ هل الديمقراطية الصينية حقا، كما زعمت وسائل الإعلام الغربية مرارا، مجرد ختم مطاطي؟ وهل يمكن أن تشكل الاجتماعات السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني منفذا مهما لتوضيح هذه المسائل.

تمثيل الأغلبية

في الأربعينيات من القرن الماضي، خرج الحزب الشيوعي الصيني بطريقة مبتكرة لتعبئة سكان الريف لممارسة حقوقهم في التصويت عن طريق الإدلاء بالفاصوليا كأصواتهم. وقد تطور هذا الإرث الثري من الممارسات الديمقراطية إلى الديمقراطية الشعبية الكاملة العملية، حيث يتطور الاقتراع الرسمي سنويا في المؤتمرات الشعبية على جميع المستويات.

وأظهرت البيانات الرسمية أنه في نهاية عام 2020، كان هناك 2.62 مليون شخص يعملون كنواب في المؤتمرات الشعبية على مستوى البلدات والمحافظات والمدن والمقاطعات وعلى المستوى الوطني. من بينهم، شكل أولئك على مستوى المحافظات والبلدات حوالي 95 في المائة من المجموع.

وقال محمد أصغر، المراسل الخاص لوكالة ((أسوشيتد برس)) الباكستانية في الصين، إنه “يتم انتخاب جميع المندوبين من القرية، ثم من البلدة، ثم من المدينة”، مضيفا “لذا فهي جماعية، وهي من القاعدة الشعبية”.

وشين يان فين، وهي سائقة لامعة للمركبات الزراعية من قرية شيخو بمقاطعة قوانغدونغ الصينية، أحد نواب المجلس الوطني الـ14 لنواب الشعب الصيني الذين انتخبوا في يناير عبر هذه العملية. وقالت “أريد أن أتحدث باسم المزارعين”، على أمل تسليط الضوء على مشغلي الآلات الزراعية في الصين.

بصفته أعلى هيئة تشريعية، يجمع المجلس الوطني الـ14 لنواب الشعب الصيني 2977 نائبا من مجموعة من المهن والخلفيات.

ومن بينهم، هناك 442 من الأقليات العرقية يمثلون 14.85 بالمائة من إجمالي النواب ويغطون كل عرقية من الأقليات العرقية البالغ عددها 55، وفقا لأحدث الأرقام الرسمية.

ويمثل ما مجموعه 42 نائبا الصينيين في الخارج الذين عادوا إلى الوطن الأم. وإجمالا، هناك 790 امرأة يشكلن 26.54 في المائة من مجموع عدد النواب، و497 من العمال والمزارعين والذين يمثلون 16.69 في المائة من الإجمالي. ويدلي كل نائب بصوت متساو في الثقل، وبذلك يكون ممثلا للشعب تمثيلا كاملا.

وقال إريك بيغون، وهو صحفي في هيئة الإذاعة الكينية، حصل على فرصة في عام 2017 لزيارة قاعة الشعب الكبرى في بكين لحضور “الدورتين”، إنه “يضمن مشاركة الجميع. ويتضمن آراء جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن هويتك”.

وأضاف أن “المندوبين من جميع أنحاء الصين يأتون إلى بكين. وعندما يأتون، يناقشون الشؤون المختلفة، خاصة للعام المقبل، ويقدمون نصائحهم للحكومة المركزية”.

حرية التعبير

من التشريعات الوطنية إلى الشؤون اليومية، يمكن للصينيين التعبير عن آرائهم بحرية والمشاركة بشكل كامل في المشاورات وصنع القرار في “الدورتين”.

وخلال اجتماعهم في بكين، جلس سادة البلاد من جميع مناحي الحياة إلى جانب بعضهم البعض لتعيين الرئيس والمسؤولين الآخرين في الصين، واعتماد أول قانون مدني على الإطلاق منذ عام 1949، وإقرار الخطة الخمسية الـ14 (2021-2025) التي ترسم مسار التنمية المستقبلية للصين.

ولدى تطرقه إلى ما يريده الناس حقا، اقترح هوانغ شيخوا، وهو نائب في المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني على مدى العقدين الماضيين، في عام 2022 العمل من المنزل يوما أو يومين في الأسبوع، في حين اقترح خو وي، عضو المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، عدم شغل الدقائق العشر الثمينة بين الفصول الدراسية في المدرسة لحل المزيد من التمارين.

وأظهرت البيانات الرسمية أنه في عام 2022، تعاملت المكاتب والإدارات التابعة لمجلس الدولة الصيني مع 8721 اقتراحا من نواب المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني و5865 مقترحا قدمها أعضاء المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، ما يمثل 94.8 في المائة و95 في المائة من الإجمالي على التوالي. وتم اعتماد حوالي 4100 اقتراح ومقترح، حيث تم تحويلها إلى 2100 سياسة وتدبير ذي صلة.

وقال إدواردو ريغالادو، كبير الباحثين في مركز أبحاث السياسة الدولية في كوبا، إن “جميع أنواع القضايا المتعلقة بجميع أنواع الناس، وجميع أنواع المجموعات العرقية، والمشاكل الريفية، والمشاكل الحضرية يتم طرحها (خلال “الدورتين”).. ويتم إعداد التقارير للمناقشة والنقد والاقتراحات، وهي نتاج التبادلات”.

ويمكن للناس أيضا إسماع أصواتهم خارج قاعة “الدورتين”. على سبيل المثال، أنشأت اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني حتى الآن ما يزيد عن 5500 مكتب إعلامي تشريعي على المستوى القاعدة الشعبية، حيث يمكن للجميع الدخول إليها والمشاركة في صياغة مشاريع القوانين وبحثها ومراجعتها وتقييمها لاحقا.

وذكر أصغر “أنهم يتحدثون دائما، ويدلون دائما بآرائهم”، مضيفا أن “الحكومة تأخذ رأيهم في الاعتبار وتضع السياسات وفقا لذلك”.

 التعاون متعدد الأحزاب

لا توجد أحزاب معارضة في الصين، لكن هذا لا يعني أن نظام الأحزاب السياسية في الصين هو نظام حكم الحزب الواحد. كما أنه ليس نظام تتنافس فيها أحزاب متعددة على السلطة وتتداول الحكم.

مع هدف توطيد الوحدة وتعزيز التعاون متعدد الأحزاب وممارسة الديمقراطية الشعبية في عملية التشاور السياسي، تأسس المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني منذ أكثر من 73 عاما، وبذل قصارى جهده لزيادة الثقة وتبديد الشكوك ونقل إرادة الشعب والاستفادة من حكمته وبناء أوسع توافق.

وعلى مر العقود، ضمن أيضا التخفيف بشكل فعال من مخاطر الرقابة غير الكافية في حكم الحزب الواحد، فضلا عن مشاكل التحويل المستمر بين الأحزاب الحاكمة والمنافسة المدمرة في الأنظمة السياسية متعددة الأحزاب.

في عام 2001، وصل رجل ذو أنف مدبب وزوج من العيون الغائرة إلى مدينة تشانغتشون شمال شرق الصين. وتبين أن الرجل، الذي يحمل اسم جان كريستوف إيزو فون بفيتن، هو أول عضو غير صيني في المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني. ولم يكن في تشانغتشون للسياحة، بل لحضور المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني على مستوى المدينة.

وقال بفيتن، الذي يشغل حاليا منصب رئيس معهد الدراسات الإستراتيجية بين الشرق والغرب في بريطانيا، “لقد كانت هذه فرصة رائعة أن تتم دعوتي في عام 2001 من قبل عمدة تشانغتشون آنذاك لأكون عضوا خاصا مدعوا في المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني. ولكنها كانت أيضا عنصرا مهما جدا في منحنى التعلم الخاص بي حول كيفية عمل النظام الديمقراطي في الصين”.

وأفاد أنه “في هذا المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، لديك ربع أو ثلث المجموع كحد أقصى يتكون من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، وهو أمر مختلف تماما عن حالة المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني. ولديك تمثيل للأحزاب السياسية الأخرى، ولديك تمثيل للأعمال التجارية، ولديك تمثيل للأقليات الدينية، وكذلك القطاع الأكاديمي، ثم هناك مجموعة واسعة جدا من المجتمع يتم تمثيلها في مراكز المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني”.

وقال آنغ تيك سين، وهو معلق سياسي في سنغافورة، إن “المفهوم الغربي للديمقراطية يهدف إلى فحص السياسيين عبر المنافسة الحرة، ولكن المناقشات السياسية المطولة بشكل متزايد جعلت من الصعب التعبير عن الحقيقة”.

وبيّن آنغ أن “النموذج الصيني غيّر بشكل أساسي التصور التقليدي للديمقراطية”، مضيفا أنه “نظام يمكن للعالم أن يستفيد منه”.