زار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، اليوم مدينة المحلة الكبرى، أحد أهم القلاع الصناعية في مصر، ويرافقه خلالها اللواء هشام آمنة، وزير التنمية المحلية، والمهندس محمود عصمت، وزير قطاع الأعمال العام، والدكتور طارق رحمي، محافظ الغربية، ومسئولو الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج.
وأشار مدبولي إلى وجود رؤية مهمة للدولة المصرية في قطاع الصناعة، مشيرا إلى أن هناك تساؤلات مُثارة حول ما إذا كانت الدولة تستثمر في قطاع الصناعة وتشجعه وتعتبره أولوية، معقبا بأن الإجابة على هذه التساؤلات تكمن في هذا المصنع تحديدا.
وقال رئيس الوزراء: في إطار من الشفافية، أنشئت الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج التي تابعنا الفيلم الوثائقي بشأنها، في عام 1927، أي أنها في غضون 4 سنوات ستمر 100 عام على إنشائها، وكان إنتاج تلك الشركة في مرحلة من المراحل يعادل 40% من اقتصاد مصر.
وتابع: ذلك الوضع لم يستمر، بالنسبة لتلك الشركة وأيضًا الغالبية العظمى من شركات الدولة العاملة في هذه المجالات؛ فمع مرور عقود طويلة ضعفت المتابعة المستمرة لتلك الشركات، وكان يتم تعيينات لكوادر وموظفين ليسوا بالضرورة مدربين أو مؤهلين للعمل في هذه الشركات.
وأضاف: في ضوء ذلك وبمرور الوقت أصبح قوام العاملين في الشركة أضعاف المطلوب في مثل تلك الشركات، من الناحية الاقتصادية ومن منظور الجدوى، وعلى مدار سنوات طويلة أصبح رئيس الشركة أمام عدد كبير للغاية من العمالة والموظفين، وكل ما يعنيه هو توفير رواتب لتلك العمالة، وبناءً على ذلك، زادت إشكالية تهالك الماكينات واحتياجها إلى الصيانة، في ظل الموارد المحدودة التي تكفي بالكاد رواتب العمال، ومع مرور الوقت بدأت تلك القلاع تدريجيًا في التدهور والانهيار.
واستكمل: تلك القلعة الصناعية التي نتحدث عنها (الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج) كان قوامها، قبل عملية إعادة الهيكلة، 31 شركة مختلفة، منتشرة في مصر، وعدد العمالة بها نحو 48 ألفا، منهم 24 ألف عامل في مدينة المحلة الكبرى، وتواجه الشركة اليوم مديونية متراكمة تقدر بـ 21 مليار جنيه سواءً للدولة، أو للضرائب، والتأمينات، وغيرها من الجهات الأخرى، كما تقدر الخسائر المتراكمة المُحققة في الفترة السابقة بقيمة 8 مليارات جنيه.
وقال رئيس الوزراء : لكي نقوم بعمل تطوير حقيقي في هذه الصناعة المهمة والأساسية، فقد عملت الدولة المصرية على وضع خطة لذلك كنموذج لخطط تطوير الشركات التابعة لقطاع الأعمال، مشيرا إلى أنه للقيام بخطط التطوير لابد أولا أن نحدد ما يمكن تطويره وما لا يمكن تطويره، وذلك وفقا لرؤية الدولة وتواجد القطاع الخاص واهتمامه بهذه القطاعات، لافتا إلى أنه على سبيل المثال فهناك حاجة إلى تكلفة تقدر بنحو 30 مليار جنيه لتطوير المشروعات التي نحن بصددها اليوم، تتمثل في 8.5 مليار جنيه للإنشاءات الجديدة، ورفع كفاءة إنشاءات قائمة.
وذلك بمختلف أفرع الشركة القابضة على مستوى الجمهورية وليس في مدينة المحلة فقط، وبالإضافة إلى ذلك، فهناك حاجة إلى توريد ماكينات جديدة بقيمة 650 مليون يورو، وهو ما يمثل إجماليه التكلفة الاستثمارية للتطوير والاستفادة من الميزات التنافسية للقطن المصريّ العظيم، من خلال تطوير المحالج أيضا عبر مراحل الإنتاج المختلفة؛ بدءا من الغزل والنسيج، والصباغة، وانتهاء بالمنتجات النهائية المتمثلة في الملابس والوبريات، وغيرها.
وقال رئيس الوزراء: الواقع يعكس لنا عدم قدرة القطاع الخاص المصري على القيام بالخطوات الأولى في تطوير هذه الصناعة المهمة، ولا سيما الغزل والحجم الهائل من المنتجات الموجودة، مضيفا أننا كدولة عندما نختار قطاعا لتطويره نقوم باختيار القطاعات التي تخدم الاقتصاد المصري وتساعد القطاع الخاص بعد ذلك على استكمال الخطوات التالية.
وفي السياق نفسه، أشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن القطاع الخاص يتواجد في قطاعات محددة في هذا الصدد، مثل: الملابس والوبريات، كما يمكن أن يتواجد في صناعة النسيج، لكنه يعتمد بشكل أساسي في ذلك على المنتج الذي يدخل في صناعة الملابس؛ ولذا فالدولة تختار القطاع بناء على رؤية شاملة للاقتصاد، ونحدد حينئذ ما يمكن تطويره، وما يحتاج إلى تدخل الدولة لوقف نزيف خسائره، مثلما حدث في بعض القطاعات مثل الحديد والصلب، والقومية للأسمنت، لأنه أصبح هناك مقومات كبيرة للغاية وبدائل أخرى من القطاع الخاص والدولة، وهنا نجد الأفضل هو العمل على وقف نزيف الخسائر.
واستدرك رئيس مجلس الوزراء حديثه بأنه فيما يتعلق بقطاع مثل الغزل والنسيج فقد قررت الدولة التدخل بقوة، مكررا التكلفة الإجمالية البالغة 30 مليار جنيه تحتاجها شركة واحدة فقط، وهنا تساءل: هل القطاع الخاص لديه القدرة على ضخ هذه التكلفة؟ معقبا بأن القطاع الخاص لا يستطيع ذلك، ومن هنا يأتي دور الدولة للتدخل والتطوير، فضلا عن تسوية مديونيات بقيمة 21 مليارا أخرى، أي ما نحتاجه في هذا الصدد 51 مليار جنيه، لا تتحمل الحكومة مسئوليتها، لكنها تتحمل مسئولية رؤية الإصلاح، وأن نقوم بإحداث التغيير المستهدف.
واستكمل الدكتور مدبولي توضيحه لهذه النقطة بقوله: كان من الممكن اختيار الحل الأسهل، وهو أن نترك كل هذه المشروعات بمشكلاتها وتحدياتها ونتجه إلى البدء في مشروعات جديدة، لكن هذا طبعا غير مُجدٍ، لأننا نتحدث عن صناعة عريقة تميزت بها مدينة المحلة الكبرى وأهلها الطيبون الذي قضوا حياتهم يعملون في هذه الصناعة، وبالتالي كان علينا اختيار الحل الأصعب وهو تطوير الصناعات القائمة هنا ومواجهة مشكلاتها بكل إصرار.
وأضاف رئيس الوزراء: أقول هذا لكي ندرك جميعًا مدى تعقيد وصعوبة الحل والطريق الذي اخترناه، والشاهد الأهم هو أننا، كما ترون أمامكم، مستمرون في أعمال التطوير، انظروا إلى هذه الماكينات الجديدة التي يتم تركيبها، وبالتوازي مع هذا نحن في حاجة إلى تطوير وتدريب للعمالة الموجودة وتأهيلها.
ثم تطرق رئيس الوزراء إلى ضرورة العمل في هذه المصانع التي يتم تطويرها وفق منظومة إدارة وتشغيل وتسويق مختلفة تمامًا، كما يجب أن يكون للقطاع الخاص دور كبير خلال هذه المرحلة، موضحا في هذا الإطار أن الدولة استطاعت تدبير التمويل لهذه المشروعات، وأصبح الآن الدور على القطاع الخاص الذي نرحب به لكي يتولى مسئولية الإدارة والتشغيل والتسويق وهي جوانب يتميز القطاع الخاص فيها.
وتابع: نضع اليوم حجمًا هائلا من الاستثمارات في هذه المشروعات، ولهذا طلبت من وزير قطاع الأعمال أن نعقد شراكة حقيقية مع القطاع الخاص، وهو ما يأتي في إطار توجيهات فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية بأننا مستعدون لعقد شراكات مع القطاع الخاص في كل مشروعات الدولة ليكون شريكًا أساسيًا في عمليات الإدارة والتشغيل والتسويق، وحتى لو أراد الدخول معنا كشريك في التمويل فمرحبا به أيضًا.
وأضاف مدبولي: أود التأكيد هنا على أن الدولة تختار بطريقة محترفة نوعية القطاعات التي ستشملها خطة إعادة التأهيل والتطوير، وتضمن هذه الخطة الشراكة مع القطاع الخاص من أجل ضمان واستدامة واستمرارية وتطور العمل في هذه المؤسسات، قائلا: لا نرغب أن نكرر مرة أخرى الأخطاء التي ارتكبت خلال الـ30 أو 40 سنة الماضية، فلابد أن نتعلم من هذه الدروس.
وقال أيضا: أؤكد مرة أخرى من خلال هذه الزيارة المهمة للغاية حرص الدولة الشديد على دعم قطاع الصناعة، واعتقد أنكم تتابعون معنا كل الخطوات التي تتخذها الحكومة في هذا الشأن، لكن ينبغي أيضا أن ندرك جيدا أن إقامة مشروع بهذا الحجم الكبير تستغرق على الأقل 3 أو 4 سنوات حتى نجني ثماره، وكما ترون كم من الوقت تستغرق أعمال التصميم والإنشاءات وتصنيع كل هذه الماكينات الكبيرة، فمثلا الماكينة خلفنا طولها 63 مترا وهي قطعة واحدة لا يتم تركيبها على أجزاء، مشيرا إلى أنه سيتم تركيب مجموعة أخرى من الماكينات خلال الفترة المقبلة، والهدف من ذلك كله هو زيادة الطاقة الإنتاجية 5 أو 6 أضعاف الطاقة الإنتاجية للمصنع قبل التطوير.
وفي هذا الإطار، أشار رئيس الوزراء إلى كمية المنتجات المختلفة، التي تلبي احتياجات السوق المحلية، وتصدير الفائض منها، إلى جانب العمل على تلبية متطلبات مصانع الدولة، وكذا القطاع الخاص، مؤكدا أن مشروع تطوير وإعادة هيكلة الشركات التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس، يأتي في إطار جهود الدولة لدعم قطاع الصناعة بوجه عام، والغزل والنسيج بوجه خاص، مجدداً دعم الدولة لمختلف الشركات التابعة لها، مشيراً إلى وجود خطة متكاملة لإعادة هيكلة وتطوير تلك الشركات، وذلك من منظور وجود جدوى لاستمرار هذه الشركات.
واختتم رئيس مجلس الوزراء تصريحاته بقوله:” لا نتأخر في توفير عشرات المليارات من التمويل المطلوب لإقامة وإعادة احياء مثل هذه الشركات”، مضيفاً أن هذه القلعة الصناعية ستشرف بتواجد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، لإعطاء إشارة بدء تشغيلها بعد انتهاء أعمال التطوير ورفع الكفاءة لمختلف مصانعها وتجهيزها بالماكينات الحديثة.