هبة صالح تكتب: البقيع المصرى فى بهنسا – المنيا

هبة صالح

عند المفاجأة، أجد نفسى تلقائيا أتمتم بأحد الكلمات مثل “يا نهار أبيض”، ” يا خبر”، “الله أكبر”. وهذه المرة وجدتنى أنا والزملاء بنقول كل هذه الكلمات وزيادةه، بمجرد دخولنا مقابر بهنسا، والمعروفة بالبقيع المصرى داخل عروس الصعيد – المنيا.

خلعت الحذاء اجلالا لمكان خطت فيه ستنا مريم فى رحلة العائلة المقدسة داخل مصر، واستظلالها تحت شجرة لا زالت موجودة بالمكان،وهيبة من أرض تحوى تحت ثراها أجساد الصحابة والتابعين من شهداء الجيش الاسلامى فى حربهم مع الرومان، سميت بالبقيع المصرى لوجود أجساد ما يقرب من خمسة آلاف من شهداء الجيش الاسلامى، رأينا منها لافتات تشير الى أجساد ” أولاد عقيل بن أبى طالب” و “الحسن بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب” و”محمد بن أبى ذر الغفارى”. وقبورا أخرى تشير الى “السبع بنات” من بنات أقباط مصر اللذين استشهدوا أثناء دعمهم للجيش الاسلامى ضد الرومان.

بهنسا قرية مثل العديد من قرى ومدن ومراكز المنيا، غنية بآثار فرعونية وقبطية واسلامية، ولكنها تتميز بما تحويه فى هذا المكان من قباب وأضرحة ومساجد خاصة بصحابة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، والتابعين والعلماء الذين زاروا مصر، إلى جانب شجرة السيدة مريم العذراء و قبة السبع بنات.

سعدت عندما سمعت منذ أعوام عن اهتمام الدولة متمثلا فى وزارة السياحة وشروعها فى أعمال التطوير هناك وانتهائها من اعداد مطوية مصورة توثق ما يقتنيه المكان. ولكنها ليست بكافية.

لازالت الحاجة موجودة لاستكمال أعمال التطوير بشكل تنموى ومستدام لا يقف عند مطوية وتجديد أبواب خشبية لبعض الأضرحة. لأنه ومع أهميةما تم، إلا أنه يتم بشكل جزئى، ولم يتم ترجمته لمشروع تنموى مستدام.

أجدها فرصة لمشاركة حلم تشجيع السياحة الداخلية لأطفال وشباب وأفراد الأسرة المصرية للمنيا ليزوروا فيه عدد من المحطات، تجلب معها فرص لأهل القرى والمراكز. أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، محطة البقيع المصرى مطورا بما يتناغم مع الطبيعة الزراعية المحيطة به وليتحول إلى جزءا من حديقة متسعة لا تقل فى جمالها عن البقاع السياحية لشهداء الحرب العالمية فى ألمانيا وحتما يعلو عليه بما يحتويه من تاريخ دينى غالى على كل مسلم ومسيحى، ثم ينتقلوا لمجطة أخرى داخل تونة الجبل ويتعرفوا على الآثار الفرعونية هناك، وقد يلتقطوا بعض الصور أمام استراحة طه حسين والتى صورت أمامها بعض مشاهد فيلم “دعاء الكروان” والتى استكملها هنرى بركات فى الفيوم، وقد تتضمن الرحلة استراحة على ضفاف النيل لتذوق بعض منتجات المنيا المتميزة من معاملها للجبن أو معاصرها للزيتون.

وقد تطول الرحلة لبضعة أيام فتتضمن زيارة الكنائس وجولة نيلية ومتحف الفنون بالجامعة ومعرض لمنتجات فنانى المنيا العالميين، ومركز تدريب وابداع مصر الرقمية وما يقدمه من فرص تدريب فى مهن الغد، وحتما وجود مثل هذا المشروع السياحي ستجعله يضيف خدمة تناسب زوار اليوم الواحد مثل ورش تجريبية يستمتع فيها الزوار بتطبيق بعض من مهارات مهن المستقبل التكنولوجية، ومعرض للألعاب المصرية القديمة والالكترونية الحديثة التى أنتجها شباب مصر من خريجى معهد تكنولوجيا المعلومات.

رحلة متكاملة لخلق فرص اقتصادية لأهالينا هناك، وحتما أحد المساهمات فى ترسيخ هويتنا المصرية بشكل جذاب ومعاصر يحتاجها شبابنا لتكون جزءا من ذاكرته فتذخر بمقتطفات من تاريخ غنى وتنتهى بلقطات من حاضر ومستقبل يليق بمن سبقونا.

بقلم : الدكتورة هبة صالح رئيس معهد تكنولوجيا المعلومات “ITI”