(شينخوا) تشير سلسلة من المقاييس الاقتصادية التي صدرت مؤخرا إلى أن الاقتصاد الصيني انتعش بعدما نجح في اجتياز الموجات المتمثلة في عودة ظهور كوفيد-19 مؤخرا، الأمر الذي يكشف عما يتسم به من مرونة ويقين وسط انتعاش عالمي لا يزال متعثرا.
فقد قال فو لينغ هوي، المتحدث باسم الهيئة الوطنية للإحصاء، عند حديثه عن الأداء الاقتصادي للصين في الآونة الأخيرة إن “الاقتصاد الصيني، بشكل عام، تغلب تدريجيا على التأثير السلبي للجائحة وأظهر قوة دفع من الانتعاش”.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الصين على إعادة اقتصادها إلى مسار النمو المستقر، تبنى المستثمرون العالميون والاقتصاديون الدوليون نظرة أكثر تفاؤلا تجاه الاقتصاد الصيني، ليصوتوا بمنح الثقة للمحرك الاقتصادي العالمي.
موجات مؤقتة وإجراءات مستهدفة
في وقت سابق من هذا العام، حيث أثرت عودة ظهور كوفيد-19 على بعض المدن مثل شانغهاي، وظل الصراع الروسي الأوكراني يلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي، واجهت الصين بعض الرياح الاقتصادية المعاكسة.
في أبريل، بلغ معدل البطالة في المناطق الحضرية الصينية المشمولة بالدراسة 6.1 %، بزيادة 0.3 نقطة مئوية عن مارس. وانخفضت مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية بنسبة 0.2 % على أساس سنوي في الفترة من يناير إلى أبريل.
وتضرر سوق العقارات فيها, وواجهت بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم صعوبات.
ولدى حديثها عن موجات الصدمات المؤقتة هذه، قالت لياو تيان شو، رئيسة مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب في الصين الكبرى، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه على الرغم من كل التحديات والمخاطر، ظل النمو الاقتصادي للصين خلال هذه الفترة الزمنية متوافقا مع التوقعات.
وأضافت “على الرغم من زيادة الضغط النزولي، إلا أن التأثيرات قصيرة الأجل وخارجية”.
ولمواجهة التحديات ودعم النمو، طرح صناع السياسات في الصين حزمة من الإجراءات المستهدفة، مع العمل في الوقت ذاته بحزم على دفع نهج صفر-كوفيد الديناميكي الذي تنتهجه البلاد لاحتواء الجائحة.
ومن خلال تطبيق إجراءات مالية متعددة الجوانب في مجالات خفض الضرائب والرسوم، وإنفاق الميزانية العامة، وإصدار السندات، تمكنت الصين من تحفيز أنشطتها الاقتصادية وتحفيز الطلب المحلي.
علاوة على ذلك، قامت في إطار جهودها الرامية إلى تعزيز استراتيجية التداول المزدوج والتنمية عالية الجودة، بتسريع إنشاء سوق محلية موحدة، وتعميق الإصلاح والانفتاح في جميع المجالات، ومواصلة التنمية القائمة على الابتكار.
ولفت أديتيا ماتو، كبير الاقتصاديين لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ في البنك الدولي، خلال مقابلة مع ((شينخوا)) مؤخرا إلى أنه على الرغم من المخاطر السلبية، تمتلك الصين المساحة السياساتية والقدرة على الاستجابة للصدمات الاقتصادية.
انتعاش قوي ومكاسب متتالية
بدأت جميع الجهود والتكاليف تؤتي ثمارها. فقد أظهرت البيانات الأخيرة الصادرة عن الحكومة الصينية أن الاقتصاد الصيني يشهد انتعاشا قويا بعد أن استطاعت البلاد مرة أخرى أن تضع جائحة كوفيد-19 تحت السيطرة إلى حد كبير.
انتعشت التجارة الخارجية للصين في مايو. وارتفع إجمالي حجم وارداتها وصادراتها بنسبة 9.6% على أساس سنوي ليصل إلى 3.45 تريليون يوان (510 مليارات دولار أمريكي) الشهر الماضي بالإضافة إلى التوسع بنسبة 0.1 % في أبريل، حسبما أظهرت البيانات الرسمية.
وفي الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، ارتفع حجم التجارة الخارجية للبلاد بنسبة 8.3% على أساس سنوي ليصل إلى 16.04 تريليون يوان (2.39 تريليون دولار)، متجاوزا النمو البالغ 7.9 % في الفترة من يناير إلى أبريل، وفقا لما ذكرته الهيئة العامة للجمارك.
وأظهرت البيانات الرسمية أيضا أن الناتج الصناعي ذي القيمة المضافة للصين ارتفع بنسبة 0.7 في المائة على أساس سنوي في مايو ليغير اتجاه الانخفاض البالغ 2.9 في المائة في أبريل، وذلك في مؤشر مشجع على انتعاش نشاط المصانع وسط استئناف العمل.
وفي هذا الصدد، ذكرت جيري تشانغ، الرئيسة التنفيذية لبنك ستاندرد تشارترد (الصين)، أن “الصين هي أكبر مصنع في العالم مع امتلاكها لنظام سلسلة التوريد الأكثر شمولا ومرونة، وهو ما ساعد الاقتصاد الصيني على التعافي بسرعة بعد تفشي جائحة كوفيد-19”.
“هذا لا يظهر فقط المرونة المذهلة للاقتصاد الصيني، وإنما أيضا حكمة القيادة الصينية في فتح الطريق أمام الاقتصاد الصيني في ظل ظروف صعبة”، هكذا قال ملادن فيدريس، أستاذ الاقتصاد في جامعة زغرب، خلال حديثه لـ((شينخوا)).
كما ضخ نمو الصين جرعة قوية من الحيوية في التجارة العالمية وكذلك النمو في أجزاء أخرى من العالم.
وأشارت جيتا جوبيناث، النائبة الأولى لمدير عام لصندوق النقد الدولي، إلى أنه بمجرد أن تنجح الصين في التعامل مع “الرياح المعاكسة على المدى القريب فيما يتعلق بكوفيد” وغيره، “ستظل، بالطبع، واحدة من المحركات المهمة للنمو”.
تصويت على الثقة من جميع أنحاء العالم
باعتباره واحدا من النقاط المضيئة القليلة وسط مشهد اقتصادي عالمي قاتم، فاز الاقتصاد الصيني بتصويت على الثقة من المستثمرين والاقتصاديين العالميين بفضل مرونته الاستثنائية وزخمه القوي.
فقد قالت صحيفة ((فاينانشال تايمز)) البريطانية في تقرير نشرته في وقت سابق من هذا الشهر إن “المستثمرين العالميين يعودون إلى أسواق الأسهم الصينية”، مضيفة أن “بعض مديري الصناديق الدولية يراهنون الآن على أن الأسوأ قد انتهى”.
ونقل تقرير ((فاينانشيال تايمز)) عن فينسينت مورتييه، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة (أموندي لإدارة الأصول)، قوله “إنه وقت مناسب للعودة إلى السوق، على أساس نسبي ومطلق”.
واتفقت ((بلومبرج)) مع هذا الشعور بالتفاؤل، وذكرت مؤخرا أن سفر الصينيين وإنفاقهم بدأ في التحسن حيث استطاعت الصين تدريجيا أن تضع عودة ظهور كوفيد-19 تحت السيطرة، وهو ما يشير إلى أن انتعاش الاقتصاد الصيني “جار حاليا”.
ونقل التقرير عن خبراء اقتصاديين في (سيتي جروب) قولهم إن المحللين يتوقعون تسارع تقدم هذا الانتعاش اعتبارا من يونيو فصاعدا.
ويزيد المستثمرون العالميون من رهاناتهم على السوق الصينية.
فقد ذكر نويل كوين، الرئيس التنفيذي لـ(إتش إس بي سي) في حديثه لـ((شينخوا)) “نحن مستمرون في بناء أعمالنا في الصين”، مؤكدا أن الاقتصاد الصيني يظهر مرونة وإمكانات نمو طويلة الأجل.
ففي الفترة ما بين عامي 2020 و2025، يتطلع (إتش إس بي سي)، وهو أحد المؤسسات المالية الرائدة في العالم، استثمار أكثر من ثلاثة مليارات يوان (447 مليون دولار) في الصين، حسبما ذكر كوين لـ((شينخوا)).
ونقلت ((فاينانشال تايمز)) عن ستيفان مونييه، كبير مسؤولي الاستثمار في بنك (لومبارد أودييه) الخاص، قوله “لقد قمنا بزيادة مخصصاتنا للأسهم الصينية”، مشيرا إلى أنهم تراجعوا عن توجيهها إلى أسواق ناشئة أخرى وأعادوا تخصيصها للصين.
إن تصويت هذه البنوك على الثقة في الصين ليس بالأمر الغريب.
وأظهرت البيانات الصادرة عن وزارة التجارة أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في البر الرئيسي الصيني، القائم في الاستخدام الفعلي، توسع بنسبة 22.6 % على أساس سنوي ليصل إلى 87.77 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام.
وقال روبن شينغ، كبير الاقتصاديين المتخصصين في شؤون الصين بمؤسسة (مورغان ستانلي)، إن أسوأ فترة من تفشي كوفيد-19 مؤخرا ربما تكون قد انتهت، مضيفا أن مسار الانتعاش التالي سيكون على الأرجح مسارا على شكل الحرف الإنجليزي (يو).