وصل الخلاف بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك إلى مستوى غير مسبوق، بعدما أعلن ماسك، خلال عطلة نهاية الأسبوع، عزمه تمويل تأسيس حزب سياسي جديد ينافس الرئيس.
وكان ماسك، أغنى رجل في العالم، قد غادر البيت الأبيض في مايو أيار الماضي فقط، لكنه لم يتوانَ منذ ذلك الحين عن توجيه انتقادات لاذعة لمشروع القانون الرئيسي الذي يتبناه ترامب، واصفاً إياه بأنه «جنوني ومدمّر تماماً».
وكتب ماسك الذي كان يُعرف سابقاً بـ«الصديق الأول» لترامب على منصة «إكس» يوم السبت: «اليوم، يتم تأسيس حزب أميركا ليعيد إليكم حريتكم»، مضيفاً: «بنسبة 2 إلى 1، أنتم تريدون حزباً سياسياً جديداً، وستحصلون عليه! عندما يتعلّق الأمر بإفلاس بلادنا عبر الهدر والفساد، فإننا نعيش في نظام الحزب الواحد، لا في ديمقراطية».
الخلاف بين ماسك وترامب
كان ماسك، أكبر المتبرعين الأفراد لحملة ترامب الرئاسية لعام 2024، ومستشاراً مقرباً منه حتى وقت قريب، قد قاد جهود الإدارة للحد من الهدر الحكومي، لكنه وجّه انتقادات حادّة لمشروع القانون الذي وصفه ترامب بـ«الكبير والجميل»، بسبب التقديرات التي أشارت إلى أنه سيضيف تريليونات الدولارات إلى العجز الفدرالي.
وكانت انتقادات ماسك لمشروع القانون الشرارة التي أشعلت الخلاف الكبير بين الرجلين الشهر الماضي. وعلى الرغم من أن التوتر بينهما بدا وكأنه انحسر مؤقتاً بعدما أعرب ماسك عن ندمه وحذف أكثر منشوراته الحادة ضد ترامب على وسائل التواصل، إلا أن الخلاف عاد للاشتعال في الأيام الأخيرة مع اقتراب تمرير القانون. وقد وقّع ترامب مشروع القانون ليصبح قانوناً يوم الجمعة.
وقد أشار أغنى رجل في العالم إلى رغبته في تأسيس حزب يتّسم بالتحفّظ المالي ويضع ضوابط للإنفاق، غير أنه لم يكشف سوى القليل من التفاصيل بشأن البرنامج السياسي الذي سيعتمده الحزب.
يتفق ماسك وترامب في مواقفهما حيال العديد من القضايا الاجتماعية الراهنة، إلا أن ماسك يرى أن أجندة السياسات الجمهورية ستؤدي إلى تفاقم الدين العام، واصفاً ذلك بـ«العبودية عبر الديون».
وقد تعرض نظام الحزبين في الولايات المتحدة لانتقادات طويلة الأمد من قِبل ناخبين مسجلين ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء، إلا أن محاولات تشكيل حزب ثالث خلال القرن الماضي لم تُحقق نجاحاً يُذكر. ففي عام 1992، خاض الملياردير روس بيرو الانتخابات الرئاسية كمرشح مستقل، وتمكن من حصد نحو خُمس الأصوات الشعبية، لكنه لم يفز بأي ولاية، في انتخابات انتهت بفوز بيل كلينتون.
أهداف حزب إيلون ماسك
قد يركّز الحزب السياسي الأميركي الجديد، الذي تباهى إيلون ماسك بتمويله، في مرحلته الأولى على عدد محدود من المقاعد القابلة للفوز في مجلسي النواب والشيوخ، مع السعي إلى أن يُشكّل الصوت الحاسم في القضايا التشريعية الكبرى وسط الهوامش الضئيلة داخل الكونغرس.
وكتب ماسك، الذي تولّى سابقاً قيادة حملة واسعة لخفض الإنفاق الحكومي بعد بدء الولاية الثانية لترامب في يناير كانون الثاني: «إحدى الطرق لتنفيذ هذا المشروع تتمثل في تركيز الجهود على مقعدين أو ثلاثة في مجلس الشيوخ، وعلى ما بين 8 إلى 10 دوائر في مجلس النواب».
وأضاف: «نظراً لهوامش التصويت المتقاربة جداً، فإن هذا سيكون كافياً لتشكيل الصوت المرجّح في القوانين المثيرة للجدل، بما يضمن أن تخدم الإرادة الحقيقية للشعب».
وقال ماسك، في منشورات أخرى عبر وسائل التواصل هذا الأسبوع، إن حزبه سيبدأ ممارسة دوره كقوة سياسية فاعلة اعتباراً من انتخابات منتصف الولاية العام المقبل، مشيراً إلى أن التركيز في المرحلة الأولى سيكون على دعم عدد محدود من المرشحين في سباقات مجلسي النواب والشيوخ.
من جهته، لم يتأخر ترامب في الرد، مهدداً بدوره الرجل الذي كان ذات يوم أبرز مستشاريه. فقد صرّح الرئيس، في وقت سابق من هذا الأسبوع، بأن الحكومة قد تعيد النظر في العقود الضخمة الموقّعة مع شركات ماسك، واصفاً وزارة كفاءة الحكومة، التي كان الملياردير يرأسها، بأنها «وحش قد يعود لالتهام إيلون».
ردود الأفعال حيال حزب ماسك الجديد
وجاء أول مؤشر على استياء المستثمرين من إعلان ماسك في وقت لاحق من اليوم نفسه، إذ أعلنت شركة الاستثمار «أزوريا بارتنرز» أنها ستُرجئ إدراج صندوق مؤشّر مرتبط بشركة تسلا، بحسب ما صرّح به الرئيس التنفيذي للشركة، جيمس فيشبك، في منشور عبر منصة «إكس».
وطالب فيشبك مجلس إدارة تسلا بتوضيح طموحات ماسك السياسية، مؤكداً أن تأسيس الحزب الجديد يُقوّض ثقة المساهمين الذين كانوا يعتقدون أنه سيركّز بشكل أكبر على الشركة بعد مغادرته العمل الحكومي في مايو أيار.
وقد أعرب عدد من الجمهوريين عن قلقهم من أن الصراع المتجدّد بين ماسك وترامب قد يُضعف فرص الحزب في الحفاظ على أغلبيته خلال انتخابات منتصف الولاية في عام 2026.
وعندما سُئل ماسك عبر منصة «إكس» عن السبب الذي دفعه للانتقال من تأييد ترامب إلى مهاجمته، أجاب: «رفع العجز من مستوى جنوني أصلاً يبلغ تريليوني دولار في عهد بايدن، إلى 2.5 تريليون. هذا سيؤدي إلى إفلاس البلاد».
تحديات تواجه إنشاء حزب ثالث في أمريكا
لم يقدّم ماسك، يوم السبت، أية تفاصيل إضافية حول آلية تشكيل «حزب أميركا». لكن قراره بتأسيس حزب سياسي جديد يعني أنه سيواجه شبكة معقدة من القوانين الانتخابية على مستوى الولايات، وإجراءات مرهقة لتأمين التواجد على لوائح الاقتراع، فضلاً عن احتمالات عالية للتقاضي والنزاعات القانونية.
قال المحامي المخضرم في شؤون الانتخابات، بريت كابل، لشبكة «cbsnews»: «فقط أغنى شخص في العالم يمكنه أن يُقدم على محاولة جدّية لتأسيس حزب سياسي أميركي جديد».
وأضاف أن «الأحزاب السياسية هي كيانات تُنظَّم على مستوى الولايات».
وأوضح أن لكل ولاية قواعد قانونية مختلفة لتحديد ما إذا كان الحزب السياسي مؤهلاً للظهور على ورقة الاقتراع، مشيراً إلى أن هذه العقبات «تتراوح بين عالية إلى شبه مستحيلة من حيث تجاوزها». ففي بعض الحالات، يتعين على الحزب الناشئ تقديم عدد كبير من التواقيع لإدراج مرشحيه على ورقة الاقتراع، ثم تحقيق نسبة معينة من الأصوات خلال دورات انتخابية متعددة كي يحتفظ بوضعه القانوني.
فعلى سبيل المثال، يتعيّن على أي حزب جديد في ولاية كاليفورنيا أن يُسجّل 0.33% من إجمالي ناخبي الولاية –أي نحو 75 ألف شخص– كأعضاء مسجلين لديه، أو أن يُقدّم عريضة تحمل توقيعات 1.1 مليون ناخب. وبعد ذلك، وللحفاظ على الاعتراف القانوني، يجب على الحزب إما الحفاظ على نسبة التسجيل نفسها، أو الحصول على ما لا يقل عن 2% من الأصوات في انتخابات على مستوى الولاية.
أما على المستوى الوطني، فيتوجّب على كل حزب سياسي على مستوى الولايات أن يتقدّم بطلب للحصول على رأي استشاري من لجنة الانتخابات الفدرالية لتأكيد اعترافها به.
ومن شبه المؤكد أن مثل هذه الجهود ستواجه مقاومة شديدة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بما في ذلك دعاوى قانونية للطعن في صحة التواقيع داخل كل ولاية، وهو ما سيُجبر ماسك – أو أي مؤسس محتمل لحزب ثالث – على إنفاق مبالغ ضخمة في المعارك القضائية.
وقال كابل: «القوانين في جميع الولايات منحازة لصالح الحزبين الكبيرين، وهي مصممة لجعل ظهور حزب ثالث أمراً بالغ الصعوبة».