في تحرك تشريعي تاريخي، أقرّ مجلس النواب المصري في يوليو 2025 قانونًا جديدًا لإعادة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر فيما يُعرف بـ”الإيجار القديم”، ليضع بذلك حدًا لأزمة استمرت لأكثر من 70 عامًا. لكن القانون لا يكتفي بالتحرير التدريجي، بل يضع الدولة أمام تحدٍّ اجتماعي واقتصادي بالغ التعقيد، يمسُّ حياة نحو 10 ملايين مواطن يعيشون في أكثر من 2 مليون وحدة مؤجّرة.
فما هي دلالات هذا القانون؟ وما تأثيره الاجتماعي والاقتصادي؟ والأهم: كيف تنجح الدولة في إدارة هذه المرحلة الحرجة؟
أولًا: نظرة بالأرقام – حجم الظاهرة
• عدد الوحدات السكنية الخاضعة للإيجار القديم: ما بين 1.8 إلى 2.4 مليون وحدة
• عدد المستفيدين منها (مستأجرين وأسرهم): يتراوح بين 8 إلى 10 ملايين مواطن
• نسبة الوحدات المغلقة (غير مستخدمة بسبب عقود الإيجار المجحفة): تقارب 30% من تلك الوحدات
• معدل الإيجار الشهري الحالي في كثير من الحالات: لا يتجاوز 10 إلى 50 جنيهًا
• الزيادة المقترحة: رفع القيمة الإيجارية إلى 10-20 ضعف القيمة الحالية فورًا، ثم زيادات سنوية بنسبة 15% خلال الفترة الانتقالية
ثانيًا: التحديات الاجتماعية الكبرى
1. مخاوف من التهجير الجماعي بعد انتهاء الفترة الانتقالية، خصوصًا في المناطق الشعبية ووسط البلد
2. ارتفاع تكلفة الإيجار على شريحة واسعة من المواطنين محدودي ومتوسطي الدخل
3. عدم وضوح آلية الإخلاء في حال عدم توفير السكن البديل
4. قدرة الدولة على توفير البدائل السكنية الكافية خلال 5–7 سنوات
ثالثًا: التأثير الاقتصادي وسوق العقارات
• تحرير السوق العقاري: يسهم في تحريك مئات الآلاف من الوحدات السكنية المجمدة، مما يزيد المعروض ويحفز الاستثمار
• تحسين دخل الملاك: كثير من الملاك يحصلون على عوائد رمزية لا تغطي حتى تكاليف الصيانة، والقانون يسمح لهم باستعادة جزء من حقوقهم
• احتمالية ضغط تضخمي مؤقت: زيادة الأسعار في سوق الإيجارات الجديدة قد تؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم السكني
• ارتفاع تكلفة التوطين في المدن القديمة: ما قد يضغط على الطلب في المدن الجديدة ويزيد العبء على البنية التحتية
رابعًا: خارطة طريق لضمان نجاح القانون
1. قاعدة بيانات دقيقة ومُحدثة
• إعداد حصر شامل لجميع الوحدات المؤجّرة بنظام الإيجار القديم، مصنّفة حسب الاستخدام (سكني – غير سكني) والحالة الفعلية (مشغولة – مغلقة – مخالفة)
2. توسيع برامج السكن البديل
• ربط القانون بخطة “سكن لكل المصريين” و”المليون وحدة” وتخصيص نسبة منها للمستأجرين المتضررين من تحرير الإيجار
• تطوير وحدات في المدن الجديدة وربطها بشبكات مواصلات سريعة (مونوريل – BRT)
3. إطلاق صندوق دعم الإيجار الاجتماعي
• تقديم دعم مباشر للأسر غير القادرة على تحمّل الزيادة الإيجارية خلال المرحلة الانتقالية
• تمويل الصندوق من عوائد الضرائب العقارية أو شراكات مع القطاع الخاص
4. جدولة زمنية واضحة للتنفيذ والمتابعة
• نشر تقارير سنوية حكومية عن مراحل التنفيذ تتسم بالشفاقية: عدد الوحدات المفرج عنها – عدد الوحدات البديلة التي تم تسليمها – نسب الإخلاء الطوعي
• إشراك المجتمع المدني و العمل على خلق حوار مجتمعي فى عمليات الرصد لمراخل التنفيذ مع مراعاة ايجاد اليات تطبيق قابلة للتنفيذ على أرض الواقع لجميع الاطراف.
5. آليات قانونية لحل النزاعات
• إنشاء دوائر متخصصة داخل المحاكم الاقتصادية للفصل في منازعات الإيجار القديم بسرعة
• تفعيل دور الوساطة والتحكيم لتجنّب التعقيدات القضائية الطويلة
خامسًا: العلاقة مع مشروعات الدولة للإسكان
القانون الجديد يمنح دفعة قوية لمشروعات الإسكان الحكومية، لكنه أيضًا يُحمّلها مسؤولية كبرى. فنجاح المرحلة الانتقالية يعتمد بشكل رئيسي على قدرة الدولة على:
• تسليم وحدات بديلة بكفاءة وانتظام
• توفير شبكة نقل تدعم انتقال المواطنين للمدن الجديدة
• خلق بيئة عمرانية متكاملة لا تقوم فقط على البناء بل على الخدمات والتعليم والصحة
قانون الإيجار القديم، في صيغته الجديدة، يُعدّ تحولًا استراتيجيًا حتميًا نحو تحرير سوق العقارات، وإعادة ضبط العلاقة بين المواطن والدولة في ملف السكن. لكنّ نجاحه لن يُقاس بالنصوص وحدها، بل بقدرة الدولة على الجمع بين الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، في فترة انتقالية قصيرة، وفي سياق مجتمعي بالغ الحساسية.
التحدي حقيقي… والزمن محدود… والمواطن ينتظر إجابة عادلة.
د. محمد راشد
عضو مجلس إدارة غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية