تمثل إمارة أبوظبي نموذجاً رائداً في توظيف مواردها الطبيعية والمالية لتنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد التقليدي على النفط، وتعد السياحة أحد المحاور الرئيسية لهذه الاستراتيجية. وقد ركزت حكومة أبوظبي، من خلال دائرة الثقافة والسياحة، على تطوير القطاع السياحي كجزء من “رؤية أبوظبي الاقتصادية 2030″، التي تهدف إلى بناء اقتصاد مستدام ومتنوع. في هذا السياق، تُعد جزيرة السعديات واحدة من أبرز المشروعات السياحية والثقافية التي تساهم بفعالية في دعم هذا التحول.
رؤية استراتيجية مدعومة بالاستثمار
اعتمدت أبوظبي نهجاً قائماً على تطوير البنية التحتية السياحية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وتشير بيانات دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي إلى أن الإمارة استقطبت أكثر من 24 مليون زائر في عام 2023، بزيادة قدرها 13% عن عام 2022، مما يعكس فعالية الاستراتيجية الحكومية في تعزيز السياحة كرافد اقتصادي أساسي.
تُظهر هذه الأرقام عوائد اقتصادية ملموسة، إذ أسهم قطاع السياحة في تحقيق إيرادات تجاوزت 25 مليار درهم إماراتي في 2023، بما يشكل أكثر من 5% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للإمارة. ويمثل هذا النمو تتويجاً لاستثمارات استراتيجية تركزت على تطوير المشاريع السياحية الكبرى، لا سيما على جزيرة السعديات.
جزيرة السعديات: محور السياحة الثقافية والفاخرة
تُعد جزيرة السعديات، التي تقع على بعد 7 دقائق فقط من وسط مدينة أبوظبي، أحد أكثر مشاريع التنمية السياحية طموحاً في منطقة الخليج العربي. تم تطوير الجزيرة كوجهة سياحية وثقافية فاخرة، وتمثل اليوم مركزاً عالمياً للفنون والتراث والثقافة.
من أبرز المعالم على الجزيرة متحف اللوفر أبوظبي، الذي افتُتح في عام 2017 بموجب شراكة ثقافية مع فرنسا، ويُعد أول متحف عالمي من نوعه في العالم العربي. استقبل المتحف أكثر من 3 ملايين زائر حتى عام 2024، ويشكل رمزاً لتلاقي الحضارات والثقافات، مما يعزز موقع أبوظبي كمركز ثقافي عالمي.
بالإضافة إلى ذلك، يجري حالياً العمل على استكمال متحف زايد الوطني ومتحف غوغنهايم أبوظبي، المتوقع افتتاحهما خلال السنوات القليلة المقبلة، مما سيوفر زخماً إضافياً للسياحة الثقافية. وتشير التقديرات إلى أن اكتمال هذه المشاريع قد يرفع عدد زوار جزيرة السعديات إلى 8 ملايين زائر سنوياً بحلول عام 2030.
السياحة الفاخرة والاستدامة البيئية
لا تقتصر مساهمة جزيرة السعديات على الجانب الثقافي فقط، بل تشمل أيضاً قطاع السياحة الفاخرة، من خلال مجموعة مذهلة من الفنادق الفاخرة في أبوظبي، مثل منتجع سانت ريجيس السعديات وفورسيزونز وريكسوس بريميوم، والتي تقدم خدمات فاخرة على شواطئ خلابة مصنفة بين الأجمل في الخليج العربي.
كما أن التنمية على الجزيرة تراعي بشكل كبير معايير الاستدامة البيئية. فعلى سبيل المثال، تم الحفاظ على مناطق تعشيش السلاحف البحرية، وتطبيق أنظمة بناء صديقة للبيئة، وذلك ضمن إطار يوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على الطبيعة. وقد حصلت الجزيرة على عدة جوائز في مجال التصميم المستدام، مما يجعلها نموذجاً عالمياً للتنمية السياحية المسؤولة.
مؤشرات اقتصادية واعدة وتطلعات مستقبلية
يشير تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن الإمارات بشكل عام، وأبوظبي بشكل خاص، قد تمكنت من تقليص اعتمادها على النفط إلى أقل من 30% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد ساهمت السياحة، بفضل مشروعات مثل جزيرة السعديات، في تسريع هذا التحول الاقتصادي.
وتسعى أبوظبي إلى الوصول إلى 45 مليون زائر سنوياً بحلول 2030، مع التركيز على الأسواق الأوروبية والآسيوية، ورفع نسبة الإقامة المتوسطة للزوار. ومن المتوقع أن تخلق الاستثمارات في القطاع السياحي أكثر من 178 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة بحلول عام 2027، بحسب تقرير المجلس العالمي للسفر والسياحة.
تجسد أبوظبي نموذجاً في الرؤية الاقتصادية الطموحة والتنفيذ الاستراتيجي الدقيق، حيث ساهمت بشكل واضح في تحويل قطاع السياحة إلى دعامة أساسية في اقتصاد الإمارة. وتمثل جزيرة السعديات حجر الزاوية في هذه الرؤية، عبر دمج الثقافة والفن والاستدامة مع السياحة الفاخرة. وبينما تتسارع خطوات التطوير، تبرز أبوظبي كوجهة عالمية قادرة على جذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، وتعزيز موقعها كعاصمة ثقافية واقتصادية في الشرق الأوسط.