في ظل تنامي العولمة وتوسع الأسواق، أصبحت التجارة غير المشروعة تحديًا عالمياً متزايدًا يهدد الاقتصادات والصحة العامة. فهي لا تقتصر على الإضرار بالإيرادات الحكومية، بل تمتد إلى تغذية الأنشطة الإجرامية وتعريض المستهلكين لمخاطر صحية جسيمة. ومع ارتفاع الطلب على المنتجات منخفضة التكلفة، تزدهر السوق السوداء، مما يؤدي إلى انتشار السلع المقلدة والمهربة التي تفتقر إلى كل المعايير الرقابية، ما يجعلها تهديدًا خطيرًا يؤثر على المجتمعات بأسرها.
ويمتد تأثير التجارة غير المشروعة إلى قطاع المستحضرات الصيدلانية، حيث تنتشر الأدوية المقلدة التي قد تكون غير فعالة أو حتى سامة، مما يشكل خطرًا كبيرًا على صحة المرضى. كما يؤدي انتشار الأجهزة الإلكترونية والهواتف المحمولة المقلدة إلى مشكلات أمنية تتعلق بسرقة البيانات وانتهاك الخصوصية، بينما يتسبب استخدام قطع الغيار غير المطابقة للمواصفات في قطاع السيارات إلى وقوع حوادث خطيرة تهدد حياة السائقين والمارة.
ويعد قطاع التبغ أحد أبرز الأمثلة على هذه الظاهرة، حيث تحرم تجارة السجائر غير المشروعة الحكومات من عائدات ضريبية ضخمة، كما أنها تعرض المستهلكين لمخاطر صحية مضاعفة، فغالباً ما تُصنع السجائر غير المشروعة في ظروف غير آمنة، مما يشكل مخاطر صحية خطيرة على المستهلكين. وقد أظهرت الدراسات أن المنتجات المهربة غالبًا ما تحتوي على مستويات مرتفعة من المواد السامة، بما في ذلك القطران والمعادن الثقيلة والمبيدات الحشرية.
في العديد من الدول الأوروبية، تم اكتشاف أن بعض هذه السجائر تحتوي على مواد كيميائية ضارة غير مصرح بها، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والرئة. ففي المملكة المتحدة، أظهرت الفحوصات أن 30% من السجائر غير المشروعة تحتوي على مستويات خطيرة من الرصاص تفوق الحدود الصحية المسموح بها.
ولا تقتصر هذه المخاطر على الدول المتقدمة، إذ تعاني العديد من الدول النامية، مثل الهند ونيجيريا، من انتشار واسع لمنتجات التبغ غير المشروعة، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتدخين. وغالبًا ما تكون هذه المنتجات أرخص من نظيراتها القانونية، مما يجعلها أكثر جاذبية للفئات الأقل دخلًا، ويؤدي إلى تفاقم الأعباء الصحية في تلك المجتمعات.
لمواجهة هذه الظاهرة، أشار الخبراء إلى أنه من الضروري اعتماد استراتيجيات متكاملة تشمل تشديد الرقابة الجمركية، وتعزيز القوانين التي تجرم الاتجار غير المشروع، إلى جانب تكثيف حملات التوعية حول مخاطر استهلاك المنتجات غير الخاضعة للرقابة. كما يعد التعاون الدولي أمرًا بالغ الأهمية لتبادل المعلومات وتنسيق الجهود بين الدول بهدف القضاء على الشبكات التي تدير هذه التجارة.