أحيت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض خطة متعثّرة لبناء شراكة استراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وتكتّل تجاري رئيسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بحسب مسؤولين في الاتحاد الأوروبي ودبلوماسيين كبار.
وقد اكتسبت خطط تعزيز الروابط بين بروكسل و«الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة عبر المحيط الهادئ» —وهو تكتّل يضم 12 دولة منها كندا واليابان والمكسيك— زخماً جديداً عقب إعلان ترامب في أبريل عن فرض تعرفات جمركية تحت مسمى «يوم التحرير».
وقال مسؤول في المفوضية الأوروبية إن «المرحلة لا تزال مبكرة جداً»، لكن الجانبين «انتقلا إلى مرحلة أصبحنا فيها مستعدّين للنظر في شكل من أشكال التعاون المنظّم مع مجموعة CPTPP».
وأكّدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، في حديث لصحيفة فايننشال تايمز في أبريل، أن الجانبين يرغبان في التعاون على «وضع قواعد تنظّم التجارة العادلة حول العالم بما يصبّ في مصلحة البشرية».
وأشارت إلى أن الكتلتين ترغبان في استغلال الاضطرابات الراهنة لإعادة النظر في ما ينبغي تحسينه داخل منظمة التجارة العالمية، و«كيفية تعزيز التعاون المشترك لجعل ذلك ممكناً».
يشكّل الانفتاح المتجدّد في بروكسل على إقامة شراكة—قد تشمل تعزيز الروابط في مجالي التجارة الرقمية وتجارة السلع—تحوّلاً نوعياً في موقف أعلى مستويات الاتحاد الأوروبي.
ووفقاً لمسؤولين من كلا الجانبين، فإن هذه المبادرة من شأنها أن تُغطّي اقتصادات وطنية تمثل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وستبعث برسالة مفادها أن غالبية النظام التجاري العالمي ما زالت ملتزمة بالحفاظ على نظام قائم على القواعد، بات مهدَّداً اليوم بسبب تعرفات ترامب الجمركية.
وكانت محاولة سابقة لتعميق هذه العلاقات في عام 2023 قد أخفقت دبلوماسياً، لكن تقريراً صدر حينها عن مجلس التجارة الوطني في السويد، وهو هيئة حكومية مستقلة، اعتبر أن التوصّل إلى اتفاق بين الكتلتين يمكن أن يجعل منهما «محور الثقل في التجارة العالمية».
تأسّس اتفاق الشراكة الشاملة والتقدّمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP) عام 2018، ويضم أستراليا، وبروناي، وكندا، وتشيلي، واليابان، وماليزيا، والمكسيك، ونيوزيلندا، وبيرو، وسنغافورة، والمملكة المتحدة، وفيتنام. ويوفّر الاتفاق معاملة متساوية للمستثمرين وتكاملاً أعمق في تجارة السلع. وتملك بروكسل بالفعل اتفاقات ثنائية مع تسعة من أعضاء التكتّل.
وتأتي أبرز الدعوات داخل CPTPP لتعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي من نيوزيلندا وكندا وسنغافورة، فيما أعرب دبلوماسيون عن أن اليابان تدعم هذه الخطوة «بهدوء».
قالت وزارة الخارجية الكندية إن بلادها ملتزمة بتعزيز علاقاتها التجارية مع أوروبا ومنطقة الهندو-باسيفيك، لكنها شددت على لسان متحدّث باسمها أنه «لم تُتخذ أي قرارات أو تُبرم أي اتفاقات» حتى الآن.
كما أيّد رئيسا وزراء نيوزيلندا وسنغافورة في الأسابيع الأخيرة فكرة تعزيز التعاون بين الكتلتين. غير أن الآلية التي تتيح تحويل هذه التصريحات الإيجابية إلى حوار رسمي ما زالت غير قائمة، بحسب دبلوماسيين، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أستراليا تتولّى حالياً الرئاسة الدورية لتكتل CPTPP، وقد أجرت انتخابات عامة هذا الأسبوع.
شراكة تجارية بين أستراليا والاتحاد الأوروبي
ومن المتوقَّع أن يؤدّي تشكيل حكومة أسترالية جديدة إلى استئناف المفاوضات المتعثّرة بشأن اتفاق تجارة ثنائية بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا، وهو ما قد يوفّر منبراً سياسياً يُمهّد لحوار أوسع بين الاتحاد وCPTPP، وفقاً لدبلوماسيين أوروبيين.
وقال دبلوماسي آخر من دول CPTPP إن إمكانية تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي قد تُطرح خلال اجتماع وزراء التجارة ضمن منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) المزمع عقده هذا الشهر في كوريا الجنوبية.
ومن أبرز الداعمين لإبرام اتفاق سريع، سيسيليا مالمستروم، المفوضة الأوروبية السابقة لشؤون التجارة والتي تعمل حالياً في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إذ أكّدت وجود «زخم متجدّد» يدفع نحو تحقيق هذه الخطوة.
وقالت لصحيفة فايننشال تايمز: «إذا أُريد لهذا الاتفاق أن يتحقّق، فيجب أن يتم ذلك بسرعة—خلال هذا العام»، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي «بطيء بطبيعته، لكن ما شهدناه خلال الأشهر الثلاثة الماضية يُظهر وجود شعور حقيقي بالحاجة الملحّة للدفاع عن نظام تجارة قائم على القواعد».
لكن معالم أي اتفاق محتمل ما زالت غير واضحة حتى الآن. وأكّدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أنه لا توجد أي خطط لانضمام الاتحاد الأوروبي إلى تكتل CPTPP.
وقال مسؤول في CPTPP إن من الممكن التوصّل إلى «إطار مزدوج المسار» يشمل «مدوّنة سلوك جديدة» يعلن فيها الوزراء التزامهم بقواعد منظمة التجارة العالمية، إلى جانب حوار منفصل بشأن مواءمة القواعد في مجالات أساسية مثل التجارة الرقمية والاستدامة.
وفي الوقت نفسه، ولتفادي تصوير هذه الخطوة على أنها موجّهة ضد الولايات المتحدة، مع الإقرار بأن بعض الشكاوى الأميركية بشأن التجارة مبرّرة، يمكن أن يتضمّن الاتفاق أيضاً مساراً للتعاون في إصلاح منظمة التجارة العالمية.
وقد طرحت بعض الاقتراحات الطموحة فكرة التوصّل إلى «تراكم» في قواعد المنشأ، وهي الآلية المستخدمة في اتفاقات التجارة الحرة لتحديد ما إذا كانت السلع تحتوي على نسبة كافية من المكوّنات المحلية لتأهيلها للحصول على إعفاءات جمركية تفضيلية.
ويرى مؤيّدو هذه الفكرة أنها ستتيح للشركات الأوروبية وتلك المنضوية في CPTPP دمج سلاسل التوريد الخاصة بها بشكل أكثر سلاسة، ما يسهّل عليها تبادل السلع بين أسواقها.
وقد طُرحت هذه الفكرة من قبل مجلس التجارة في السويد، وأعيد طرحها مؤخراً في تقرير صادر عن مركز «بروغل» للأبحاث في بروكسل، إلا أن مسؤولين في المفوضية الأوروبية أوضحوا أن هذا الخيار غير مطروح حالياً للاتحاد.