التمييز بين النيكوتين ومخاطر التدخين ضرورة لإحداث التغيير بسياسات مكافحة التدخين

لطالما كانت مكافحة النيكوتين جزءاً من مكافحة التدخين للاعتقاد الخاطئ بإحتوائه على العديد من المخاطر وبتسببه بالأمراض المرتبطة بالتدخين.

وتشهد ساحة مكافحة التدخين جدلاً واسعًا حول دور النيكوتين. فبينما تدعو بعض السياسات إلى حظر المنتجات التي تحتوي عليه، يرى مؤيدو سياسة الحد من مخاطر التبغ أن هذه المنتجات يمكن أن تساعد المدخنين على الإقلاع عن التدخين التقليدي. وتواجه هذه الرؤية تحديات كبيرة، منها الضرائب المرتفعة المفروضة على هذه المنتجات، والمعلومات المضللة حول مخاطر النيكوتين، بالإضافة إلى صعوبة تطبيق أي استراتيجية للحد من مخاطر التدخين دون الاعتماد على بدائل توصل النيكوتين.

هذا يعني، أنه بالرغم من أن معارضي النيكوتين على صواب من حيث مساوئ إدمانه والاستمرار في استهلاك التبغ، إلا أنه يلعب دوراً إيجابياً في المساعدة في تقليل معدلات التدخين، وبالتالي تخفيض الأمراض المرتبطة به عند الحصول عليه من المنتجات الخالية من الدخان، والتي لا تعتبر آمنة بنسبة 100% لكنها أكثر أماناً من تدخين السجائر.

مع ذلك، فإن إقناع المشرعين والمهنيين الطبيين وخبراء الصحة العامة بهذا الدور المركب للنيكوتين، يمثل تحدياً يعيق نجاح استراتيجية الحد من المخاطر ، في الوقت الذي يمكن لتغير تصوراتهم على نحو إيجابي التأثير على السياسات واللوائح المستقبلية، مما قد يؤدي إلى زيادة قبول وتبني المنتجات البديلة لخفض معدلات التدخين.

وتنبع معارضة النيكوتين لحد كبير من ارتباطه التاريخي بالسجائر والإدمان، فلفترة طويلة، كانت السجائر التقليدية الوسيلة الأساسية لاستهلاك النيكوتين. شكل هذا الارتباط تصورات عامة الناس، مما صعّب فصل النيكوتين عن مخاطر السجائر القابلة للاشتعال، حتى مع ظهور خيارات أكثر أماناً لتوصيل النيكوتين كالسجائر الإلكترونية، كما صعّب التمييز بين آثار النيكوتين بحد ذاته والآثار الضارة للسجائر التقليدية، حتى بين أولئك الذين ينبغي أن يكونوا أكثر اطلاعاً، في ظل الالتباس الحاصل والذي تعزز على مدار عقود شهدت العديد من الحملات التشويهية التي صورت النيكوتين بأنه خطر ومؤذٍ بطبيعته.

وقد وصم النيكوتين بوصمة سلبية، عبر التركيز على كونه مادة كيميائية غير موثوقة، وتسبب الإدمان. المفارقة أن فكرة الإدمان غالباً ما يتم تبسيطها بإفراط، كما يتم ربطها بالمخدرات، ما أدى لترسيخ النظرة إلى أن أي مادة تسبب الإدمان سيئة بطبيعتها.
هذا وتستخدم الجهات المناهضة للتدخين مفهوم إدمان النيكوتين لغرس الخوف منه بأساليب تأتي بنتائج عكسية وتبني تصورات مغلوطة، كما فعل الجراح العام الأمريكي السابق، جيروم آدامز، عندما قارن بشكل مضلل النيكوتين بالهيروين بالرغم من صعوبة مقارنة إدمان المواد المختلفة بدقة، ومن بث رسائل مغايرة للحقيقة العلمية؛ حيث قلل من إدراك مخاطر الهيروين بوضعه مع النيكوتين في نفس خانة التصنيف.

وعلى أي حال، فقد تطور مفهوم الإدمان؛ إذ تنص بعض التعريفات على أنه يجب أن يكون خطراً حتى يتم اعتباره كذلك. وعليه، فإن النيكوتين في حال استهلك بشكل منفصل عن التدخين كما في المنتجات البديلة، فقد لا يكون خطراً بما يكفي.

التحدي الكبير الذي يواجه جهود الحد من المخاطر؛ التغلب على التصور السلبي واسع الانتشار للنيكوتين، والذي يعد محورياً للنجاح في تطبيق سياسة الحد من مخاطر التبغ التي تعتمد على التمييز بين استهلاك النيكوتين والآثار الضارة للتدخين. تتجذر هذه الفكرة في الملاحظة الشهيرة للدكتور وأستاذ الطب النفسي، مايكل راسل، والتي كان مفادها بأن الناس يدخنون للحصول على النيكوتين ولكنهم يعانون من الآثار الخطرة بسبب الاحتراق.
وبالرغم من تأكيد سياسة الحد من المخاطر على “استمرارية المخاطر”، في ظل استخدام المنتجات البديلة، إلا أن مستويات المخاطر التي تحملها متفاوتة، لكنها أقل بكثير منها في السجائر التقليدية المعتمدة على الحرق. هنا، تظهر أهمية التمييز المؤدية لإدراك مفهوم المخاطر وحقيقة أن السجائر التقليدية العاملة بالاحتراق هي التي تمثل الخطر الأكبر. ومع ذلك، يكمن التحدي في الإقناع بالنظر للنيكوتين بشكل منفصل عن مخاطر التدخين.

إن جهود مكافحة التدخين تتطلب تغييرًا جذريًا في الاستراتيجية. فبدلاً من التركيز على مادة النيكوتين، يجب أن نركز على الطريقة التي يتم بها توصيل هذه المادة كونه لا يشكل في حد ذاته مصدر قلق رئيسي، ففي التدخين التقليدي، لا ينتج الخطر عن النيكوتين، إنما عن آلية الاحتراق. كما يتطلب استبدال سياسة الحظر بسياسات تهدف إلى تقليل المخاطر والحد منها، وأن يتم ترويج استخدام المنتجات البديلة كبديل أفضل من السجائر التقليدية. هذا التحول في التفكير هو المفتاح لتحقيق تقدم حقيقي في مكافحة التدخين.