آثار الزمن في مدينة دبي القديمة بالإمارات العربية المتحدة، وسحر الطبيعة في “حافة العالم” في الرياض بالمملكة العربية السعودية، و”التضاريس المشابهة لكوكب المريخ” في صحراء وادي رم بالأردن… في السنوات الأخيرة، اجتذبت المقاصد السياحية العربية المزيد من اهتمام السياح الصينيين، ومع تزايد شعبية سفر السياح الصينيين إلى الدول العربية، لم تعد الدول العربية “الغامضة” في مجموعة قصص ((ألف ليلة وليلة)) بعيدة كما كانت من قبل.
في الآونة الأخيرة، استأنفت شركات الطيران الصينية والعربية رحلاتها بشكل مكثف أو فتحت عددا من الخطوط الجوية، مما أثرى خيارات السفر إلى الخارج للمسافرين الصينيين. استغل السيد وانغ، من مقاطعة فوجيان، عطلة عيد العمال لزيارة المملكة العربية السعودية، وقال إنه مع افتتاح أول خط مباشر للركاب بين الصين والمملكة العربية السعودية في منتصف أبريل الماضي، أصبح من الأنسب “تسجيل الوصول” في السعودية. وأضاف قائلا: “لطالما أردت رؤية واحة العلا وتجربة العادات والثقافة المختلفة، ولم يترك لي افتتاح الرحلات المباشرة مجالا للتردد مرة أخرى”.
أصبحت الصين أكبر مصدر للسياحة الدولية. وتظهر بيانات شركة “سيتريب” أنه منذ بداية العام الجاري، ارتفع عدد طلبات السفر للسياح الصينيين إلى الدول العربية على منصة “سيتريب” بنسبة 173 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وبالمقارنة مع نفس الفترة من عام 2019، ارتفع عدد السياح الصينيين الذين زاروا الدول العربية بنسبة 70 في المائة.
وقال أحمد هشام، مرشد سياحي مصري يعمل في صناعة السياحة منذ ما يقرب من عشر سنوات: “في الماضي، كنا نستقبل أحيانا بعض الأفواج السياحية من الصين كل عام، ولكن منذ بداية هذا العام، كانت هناك أفواج سياحية صينية كل شهر تقريبا، خاصة خلال الشتاء وعيد رأس السنة الصينية الجديدة”، متمنيا أن يستمر هذا الزخم وأن يتمكن من رؤية المزيد من الأصدقاء الصينيين في مصر.
ووفقا لفانغ تسه تشيان، محللة الصناعة في معهد أبحاث “سيتريب”، فإن مصر والإمارات العربية المتحدة ودول عربية أخرى تحظى بشعبية لدى السياح الصينيين، وأصبحت مدن مثل دبي وأبو ظبي والقاهرة والرياض مقاصد رائجة للسفر إلى منطقة الشرق الأوسط.
وفي سياق التعميق المستمر للعلاقات بين الصين والدول العربية، أسفرت التبادلات والتعاون بين الجانبين في مجال السياحة عن نتائج مثمرة. إذ نفذت المغرب والإمارات العربية المتحدة وقطر وتونس سياسات دخول دون تأشيرة للمواطنين الصينيين في السنوات الأخيرة. وفي خطة تنفيذ منتدى التعاون الصيني-العربي للفترة 2020-2022 التي تم اعتمادها في الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني- العربي، أكد الجانبان بشكل مشترك استعدادهما لمواصلة توسيع التعاون السياحي. و”الحوار بين الحضارات”، الذي جاء ضمن “الأعمال الثمانية المشتركة” للتعاون العملي الصيني- العربي المقترحة في القمة الصينية- العربية الأولى في عام 2022، من شأنه تعزيز التعاون بين 500 مؤسسة ثقافية وسياحية صينية وعربية وتدريب 1000 موهبة ثقافية وسياحية للجانب العربي.
وقال حلمي حسين، المدير العام للديوان الوطني التونسي للسياحة: “إنه لأمر رائع أن نرى السياح الصينيين مهتمين بجمال وطعام تونس بعد مجيئهم إلى بلدنا”، مضيفا أن تونس تأمل في أن تصبح مقصدا سياحيا معروفا للسياح الصينيين، ومن أجل جذب المزيد من السياح، فإنها ستعمل على تسريع فتح رحلات مباشرة إلى الصين من قبل الخطوط الجوية التونسية، وتدريب المزيد من المرشدين السياحيين المحليين الذين يتقنون اللغة الصينية وعلى دراية بالثقافة الصينية، حتى يشعر السياح الصينيون بأنهم في وطنهم.
وبالإضافة إلى التواصل بشأن تخطيط السياسات الكلية، حافظت الصين والدول العربية أيضا على تعاون جيد في تنمية المواهب السياحية. ووفقا لمسؤول من المعهد المركزي لكوادر إدارة الثقافة والسياحة التابع لوزارة الثقافة والسياحة الصينية، فيولي المعهد أهمية كبيرة لتنظيم أنشطة التدريب للدول العربية، وعقد المعهد 11 دورة تدريبية متعددة الأطراف وثنائية حول التنمية المتكاملة للثقافة والسياحة في السنوات الخمس الماضية، ودرب ما يقرب من 200 مسؤول حكومي ورؤساء المؤسسات ذات الصلة في مجال السياحة.
هذا وتم افتتاح مركز الدراسات الصيني- العربي للتعاون الثقافي والسياحي في عام 2023، والذي يسعى لإضفاء المزيد من الطابع المؤسسي والاستدامة على التبادلات والتعاون بين الصين والدول العربية في مجالي الثقافة والسياحة. وقال هو يوي شيانغ، مدير المركز، إنه في ظل مساعي الدول العربية لـ”التوجه شرقا”، أصبحت الزيارات المتبادلة والتبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية وثيقة أيضا، وأصبحت السياحة جسر الصداقة الذي يربط بين الجانبين. وعلى المدى الطويل، ستعمل الصين والدول العربية على تعزيز المعرفة والثقة المتبادلتين وتمهيد الطريق للتبادلات الثنائية المتعمقة من خلال السياحة.