تشتهر وسائل الإعلام الغربية ببراعتها في اختلاق مصطلحات جديدة لنشر نظرية “التهديد الصيني“، وأحدث اختراع لها في هذا الصدد هو مصلح “الصدمة الصينية”.
ومن خلال التلميح إلى أن منتجات التصدير الصينية تُشكل تهديدا للاقتصادات الأخرى، فإن النية واضحة: تقييد تنمية الصين وعلاقاتها الاقتصادية مع العالم.
ففي الوقت الحالي، رغم تراجع ضغوط التضخم العالمية بشكل طفيف، إلا أنها لا تزال تشكل تحديا كبيرا للاقتصاد العالمي، حيث لا تزال الاقتصادات المتقدمة الكبرى تسعى جاهدة من أجل تحقيق أهداف التضخم التي حددتها بنوكها المركزية، فيما يكافح الناس العاديون من أجل سداد فواتيرهم بسبب ارتفاع الأسعار.
ووسط هذه الخلفية الاقتصادية، برزت الصين كقوة محورية في كبح التضخم العالمي. وبفضل صناعاتها التحويلية المرنة، تستطيع الصين أن تقدم سلعا وخدمات ذات جودة وبأسعار معقولة، وبالتالي تساهم بشكل كبير في احتواء التضخم في مختلف أنحاء العالم.
حتى صحيفة ((وول ستريت جورنال))، التي تعد هذه المرة من الرواد في تضخيم ما يسمى بـ”الصدمة الصينية”، عليها أن تعترف بأن إحدى الدراسات التي أُجريت عام 2019 وجدت أن أسعار المستهلك في الولايات المتحدة بالنسبة للسلع انخفضت بنسبة 2 % مقابل كل زيادة بواقع نقطة مئوية واحدة من حصة الواردات الصينية في السوق، مع شعور الناس من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط بأكبر الفوائد.
إن الشراكات التجارية والاقتصادية التي تقيمها الصين مع البلدان الأخرى تتجاوز مجرد تصدير السلع. فهي ليست سيناريوهات يستأثر فيها الفائز بكل شيء، بل إنها تُصاغ بالتشاور على قدم المساواة وتتسم بالفوائد المشتركة والتنمية المستدامة.
فمن جانبها تساعد بكين بنشاط في دفع تنمية الدول النامية من خلال مبادرات نقل التكنولوجيا والتمويل والتدريب. وتعمل هذه المساعي على تسريع عمليات التصنيع في تلك الدول، الأمر الذي يعزز إمكانات تنميتها في المستقبل.
والمثال على ذلك خط سكة حديد مومباسا-نيروبي المعياري. فبفضل مساهمة الصين، أدى هذا المشروع، الذي يربط بين أكبر مدينتين في كينيا، إلى تقليل مدة السفر وخفض تكاليف خدمة الشحن، وهو ما حفز حركة التجارة والاستثمارات على طول مساره. كما وفر خط السكة الحديد ما يقرب من 50 ألف فرصة عمل، ودرب أكثر من 1700 من التقنيين في مجال السكة الحديد والمهنيين في مجال الإدارة.
غير أن وسائل إعلام أمريكية مثل صحيفة ((وول ستريت جورنال)) اختارت أن تتجاهل هذه الحقائق الواضحة حيث ركزت عقولها مع ورش عمل المصطلحات التي تجعل الصين تبدو سيئة. والواقع أن اختراعاتهم المخادعة، التي تفوح منها رائحة نظريات “فك الارتباط” المرفوضة عالميا، لا تستطيع أن تخدع العقل الرصين.
في معرض حديثها عن تكلفة “فك الارتباط” عن الصين، ذكرت صحيفة ((نيهون كيزاي شيمبون)) في مقال لها إن وقف الواردات من الصين سيكلف اليابان خسائر في الإيرادات تصل قيمتها إلى 53 تريليون ين (353 مليار دولار أمريكي)، وهو ما يعادل 10 في المائة من الخسائر السنوية في إجمالي الناتج المحلي لليابان.
وحذر المقال من أن “فك الارتباط” من شأنه أن يجعل كل شيء في العالم أكثر تكلفة في وقت تضرر فيه سلاسل الإمداد العالمية بشدة جراء الصراعات الجيوسياسية.
ومن جانبه قال غاري كلايد هوفباور، وهو زميل أقدم غير مقيم في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أن الولايات المتحدة تمضي، سواء وصفت ذلك بأنه “فك للارتباط” أو “إزالة المخاطر”، نحو المسار المضلل للميركانتلية الجديدة التي تركز على القيود التجارية.
ورغم أن هناك حاجة ماسة إلى تعاون اقتصادي وثيق واقتصاد عالمي أكثر انفتاحا من أجل تحقيق انتعاش اقتصادي عالمي، فإن الدعوة إلى الحمائية هي آخر ما يحتاجه العالم.