روابط سريعة

استمرار وقف تصدير الحبوب عبر البحر الأسود يفرض ضغوطا على أسعار المواد الغذائية

حذر خبراء من أن استمرار وقف اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود قد يفرض ضغوطا تصاعدية على أسعار الحبوب والمواد الغذائية في العالم، ما يهدد الأمن الغذائي للعديد من الدول الفقيرة خاصة في أفريقيا والشرق الأوسط، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر وسوء التغذية.

وبحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال اجتماع الاثنين الماضي في منتجع سوتشي جنوب روسيا استئناف اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.

وأتاح الاتفاق الذي تم التوصل إليه في صيف العام 2022 برعاية تركيا والأمم المتحدة، واستمر لمدة عام، لأوكرانيا تصدير الحبوب عبر موانئها المطلة على البحر الأسود، إلا أن روسيا أنهت في يوليو الماضي العمل بهذا الاتفاق اعتراضا على استمرار القيود الغربية على صادراتها الزراعية.

وتسعى الأمم المتحدة وتركيا إلى إحياء الاتفاق، الذي ساعد على تصدير نحو 33 مليون طن من الحبوب الأوكرانية خلال فترة سريانه، والذي أثار إلغاؤه قلقا متزايدا بشأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم.

 ارتفاع أسعار القمح

وقال البهي هيكل المدير العام السابق بوزارة الزراعة المصرية إن انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود أدى إلى ارتفاع أسعار القمح والمواد المستخدمة في الزراعة بشكل ملحوظ، وأثر هذا على معظم البلدان بما في ذلك مصر، التي تعد واحدة من أكبر مستوردي القمح في العالم.

وأضاف هيكل لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن مصر تعتمد إلى حد كبير على واردات الحبوب من روسيا وأوكرانيا، حيث تشكل واردات مصر من القمح من الدولتين نحو 80 بالمائة من احتياجاتها.

وتابع أن توفير القمح قضية أمن قومي لمصر، والحكومة تعمل جاهدة لتأمين الحبوب خاصة القمح لسكانها الذين يفوق عددهم 100 مليون نسمة، وأشار إلى أن مصر تمتلك احتياطيا استراتيجيا من القمح يكفي لنحو 5 أشهر، حيث اشترت الحكومة نحو 3.5 مليون طن من القمح من المنتجين المحليين.

وفي هذا الإطار، اعتبر الأكاديمي التونسي كمال بن يونس رئيس مؤسسة ابن رشد للدراسات العربية والأفريقية
أن الارتفاع المخيف لأسعار المواد الغذائية والمحروقات أربك التوازنات الدولية ويوشك أن يتسبب في اضطرابات سياسية وأمنية واجتماعية قد تصل إلى صدامات وأعمال عنف خطيرة جدا وغير مسبوقة في بعض دول العالم.

وأشار إلى أن ذلك الحظر تسبب في ارتفاع العجز التجاري والعجز في موازنة الدولة التونسية نتيجة تضاعف أسعار الحبوب والمحروقات عالميا.

وأضاف أن تضرر تونس من ذلك الحظر لا يتوقف عند حرمانها من فرص الحصول على الحبوب الروسية والأوكرانية بأسعار معقولة نسبيا، وإنما أيضا شمل حرمانها من المداخيل السياحية التي كان يوفرها حوالي 700 ألف سائح روسي وأوكراني.

كما رأى ستيفن رايت الأستاذ المشارك للعلاقات الدولية في جامعة حمد بن خليفة القطرية أنه مع انسحاب روسيا من الاتفاق، فإن عدم اليقين بشأن صادرات الحبوب الأوكرانية قد يفرض بعض الضغوط التصاعدية على أسعار القمح الإقليمية، واعتماد قطر ودول شمال أفريقيا الشديد على الواردات يعني أنها ما تزال عرضة لصدمات الأسعار العالمية بغض النظر عن إمدادات البحر الأسود.

وحذر الخبير التونسي من أنه في حالة عدم التوافق مجددا حول تصدير القمح عبر البحر الأسود والمسالك القريبة من الموانئ الروسية والأوكرانية، فإن أسعار المواد الغذائية والمحروقات قد ترتفع عالميا أكثر فأكثر وتستفحل مخاطر انتشار معضلات الفقر والمجاعة وسوء التغذية في العالم.

تطور مهم

وقال بوتين خلال مؤتمر صحفي مع أردوغان إن موسكو لا تمانع العودة إلى الاتفاق بشرط أن يتم رفع القيود المفروضة على تصدير المنتجات الزراعية الروسية عبر البحر الأسود، قبل أن يضيف “أننا على وشك إبرام اتفاقات مع ست دول أفريقية نعتزم إمدادها بالحبوب مجانا في الأسابيع المقبلة”.

وقال الأكاديمي التونسي كمال بن يونس إن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تصدير حبوب مجانا أو بأسعار منخفضة للدول الأفريقية والنامية “تطور مهم جدا”.

وأوضح كمال بن يونس أن هذا التطور يعكس وجود حرص على تغيير النظام الدولي وتشجيع الدول النامية على التمرد على قرارات الحظر الاقتصادي الأمريكي والأطلسي على روسيا.

وأضاف أن قرارات الحظر الاقتصادي الأمريكي والأطلسي لم تضر بروسيا فحسب، وإنما تسببت في خسائر مالية فادحة لأغلب دول العالم خاصة الدول الأفريقية والعربية بما فيها تونس، على حد قوله.

وتابع أنه في انتظار تنفيذ قرارات القمة الأفريقية الروسية التي عقدت في مدينة سانت بطرسبرغ فيما يتعلق بتوفير الحبوب للدول النامية عموما والأفريقية خاصة بأسعار تفضيلية، فإن الدبلوماسية التونسية والأفريقية تبذل جهودا لوقف التهاب أسعار الحبوب والمحروقات تحسبا لانفجارات اجتماعية وسياسية وأمنية عنيفة تزيد من مشاكل الدول الفقيرة.

وفي الوقت نفسه، أشار البهي هيكل الخبير المصري إلى أن استئناف اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، في حالة حدوثه، سيؤثر بشكل إيجابي على أسعار الحبوب في مصر حيث سيخفض الأسعار بنسبة 20 بالمائة على الأقل وسيساعد البلاد على تحقيق الأمن الغذائي.

 جهود عربية لضمان الأمن الغذائي

إلا أن ستيفن رايت الأستاذ المشارك للعلاقات الدولية في جامعة حمد بن خليفة القطرية رأى أن تأثير اتفاقية حبوب البحر الأسود على قطر ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان محدودا حيث وصلت حصة صغيرة من صادرات الحبوب في إطار الاتفاقية إلى المنطقة.

وقال رايت إنه نتيجة لذلك، لم يؤد الاتفاق إلى تحسن كبير في إمدادات الحبوب الإقليمية أو انخفاض في الأسعار.
ودعا إلى تعزيز الاحتياطيات الاستراتيجية من الحبوب وزيادة الإنتاج الغذائي المحلي باعتبارها من الأمور الأساسية لتعزيز الأمن الغذائي في قطر والشرق الأوسط وشمال أفريقيا على المدى الطويل.

وفي السياق ذاته، قال البهي هيكل مدير عام سابق بوزارة الزراعة المصرية إن الإنتاج المحلي من القمح يمثل نحو 50 بالمائة من احتياجات مصر، التي تعمل حاليا على تنويع أسواق وارداتها بما في ذلك رومانيا وبلغاريا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى روسيا وأوكرانيا.

وفي الشهر الماضي، وقعت مصر مع مكتب أبوظبي للصادرات (أدكس) التابع لصندوق أبوظبي للتنمية اتفاقية برنامج التمويل الدوار بقيمة 100 مليون دولار لمدة خمس سنوات بإجمالي 500 مليون دولار، بهدف تمويل واردات القمح.

أما الدكتور خير ديابات الأستاذ في قسم الشؤون الدولية بجامعة قطر فقد حذر من أن هذه المعضلة الغذائية يمكن أن تهدد الأمن الغذائي للعديد من البلدان الفقيرة ومحدودة الدخل خاصة في أفريقيا والشرق الأوسط، حيث قد تؤدي هذه الأزمة إلى ارتفاع الأسعار العالمية للحبوب وبالتالي ارتفاع معدلات الفقر في هذه البلدان.

ورأى ديابات في تصريح لـ((شينخوا)) أن الجهود القطرية لحل مشكلة اتفاقية حبوب البحر الأسود ستخفف التوتر داخل سوق الحبوب العالمية وستسهم في إيجاد حلول لمعضلة تهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي للعديد من الدول.

وإلى جانب اتفاق البحر الأسود، تناول بوتين وأردوغان خلال قمة سوتشي “المسار التركي القطري بشأن إيصال الحبوب للدول المحتاجة”، حسبما أوضح الرئيس الروسي في المؤتمر الصحفي.

وأكد ديابات أنه إذا نجحت قطر، إلى جانب تركيا، في هذه المهمة فسوف تزيد فعالية وساطتها ودورها السلمي في حل الأزمات الدولية والإقليمية، وستزيد مصداقيتها كشريك موثوق في التعامل مع القضايا العالمية والحيوية.