“شينخوا” : هل تخسر أمريكا الشرق الأوسط؟

في الصورة الملتقطة يوم 6 فبراير 2023، أناس يبحثون عن ناجين في أنقاض مبنى مُدمر في مدينة جبلة التي ضربها الزلزال بمحافظة اللاذقية، سوريا. (شينخوا)

في التقارير الإعلامية المتعلقة بسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، أصبحت كلمة “فاشلة” كلمة عالية التردد، وذلك كما يتضح من تحليل قوي لقناة ((الجزيرة)) القطرية، جاء فيه أن الولايات المتحدة تفقد قوتها في المنطقة وحريّ بها ألا تلوم أحدا سوى نفسها.

لقد صارت وجهة النظر هذه سائدة في الشرق الأوسط. فعلى مدى عقود، تدخلت الولايات المتحدة، التي تبعد حوالي 10 آلاف كم عن المنطقة، على نحو متهور في الشؤون الإقليمية، متسببة في صراعات ومواجهات وحروب وفقر. وأدت الهيمنة الأمريكية حتما إلى فك الارتباط بين المنطقة والعم سام.

لقد خلقت الهيمنة العسكرية الأمريكية، بشنها حروبا متعمدة، كوارث لم يسبق لها مثيل في الشرق الأوسط. ففي عام 2003، شنت الولايات المتحدة حرب العراق مستشهدة بأدلة ملفقة ودون تفويض من مجلس الأمن الدولي ورغم المعارضة الشديدة من جانب المجتمع الدولي. ووفقا لقاعدة بيانات ((ستاتيستا))، وهي قاعدة بيانات إحصائية عالمية، لقي نحو 209 آلاف مدني عراقي مصرعهم في الحروب والصراعات العنيفة التي تلت ذلك خلال الفترة ما بين عامي 2003 و2021،، وأصبح نحو 9.2 مليون عراقي لاجئين أو أجبروا على ترك وطنهم.

ومن ناحية أخرى، دعمت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة تسلل المنظمات غير الحكومية والوكلاء إلى مجتمع الشرق الأوسط وغيرت مرارا مسارات التنمية لدول الشرق الأوسط عن طريق “الثورات الملونة”. فباعتماده على الدعم المالي المستمر من الحكومة الأمريكية، حرض الصندوق الوطني للديمقراطية بالولايات المتحدة على الثورات الملونة في مصر واليمن والأردن والجزائر وسوريا ودول أخرى من خلال توفير التمويل للأفراد والجماعات الموالية للولايات المتحدة، وكان العقل المدبر الرئيسي وراء “الربيع العربي”.

كما أساءت الولايات المتحدة استخدام العقوبات لإرغام الشرق الأوسط على السير على هواها. لكي تقوم بتخريب جمهورية إيران الإسلامية، فرضت واشنطن عقوبات وصعدتها على هذا البلد على مدى أكثر من أربعة عقود، ومن جانبها انتقدت طهران هذه العقوبات واصفة إياه بأنها “أعمال غير إنسانية وإجرامية وإرهابية”.

وردد خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة صرخة طهران. فبعد زيارتها لإيران في مايو 2022، خلصت ألينا دوهان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأثر السلبي للتدابير القسرية الانفرادية على التمتع بحقوق الإنسان، إلى أن العقوبات والعقوبات الثانوية ومختلف أشكال الإفراط في الامتثال لها كان لها تأثير سلبي خطير على اقتصاد البلاد، ما أدى إلى “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وتحديات إنسانية”.

كما سقطت سوريا ضحية للعقوبات الأمريكية، التي برزت آثارها السلبية بعد الزلزال المدمر في فبراير عندما عرقلت العقوبات الأمريكية العمل الإنساني في هذا البلد الذي مزقته الحرب.

فمع حظر معدات الإنقاذ من قبل الولايات المتحدة، أزال السوريون الأنقاض بأيديهم وأبسط الأدوات، حسبما ذكرت وزارة الخارجية السورية، مضيفة أن السوريين مُنعوا أيضا من الحصول على الأدوية والمعدات الطبية التي يحتاجونها.

كما يشكل عدم الاحترام كلمة رئيسية في الذاكرة المريرة لانخراط المنطقة مع الولايات المتحدة. حتى أن الساسة في واشنطن استخدموا عبارات مهينة مثل “المنبوذ” لوصف بلدان في المنطقة وأطلقوا تهديدات متكررة عندما لم تتحقق رغباتهم، متجاهلين الكرامة الوطنية والاستقلالية الإستراتيجية لشعوب المنطقة.

في استطلاع أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومقره الدوحة عام 2022 في 14 دولة عربية، صنف 78 % من المستطلعة آراؤهم الولايات المتحدة على أنها أكبر مصدر للتهديد وعدم الاستقرار في المنطقة.

ليس من المستغرب أن ترفض المزيد والمزيد من دول الشرق الأوسط تلقي الأوامر من واشنطن. فمع استمرار تصاعد الأزمة الأوكرانية، رفضت معظم دول الشرق الأوسط الانضمام إلى “المعسكر المناهض لروسيا” الذي تقوده الولايات المتحدة. كما أنه في ضوء أخذ مصالحها الوطنية الخاصة في الاعتبار، لم تبد المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى اهتماما كبيرا بالتعاون مع الولايات المتحدة في الشؤون المتعلقة بالنفط.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن واشنطن صُدمت من الانفراج في العلاقات بين طهران والرياض بوساطة بكين بعد أن قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بجولة في الشرق الأوسط لحشد الدعم لمواجهة ما سماه “التهديدات الإيرانية”. وعمت منطقة الشرق الأوسط موجة من المصالحات، تضمنت عودة سوريا إلى الجامعة العربية، حيث أدركت الدول العربية أن التدخل الأمريكي لم يؤد سوى إلى إغراق المنطقة في حالة من عدم الاستقرار والفوضى.

لإنقاذ نفوذ أمريكا المتراجع في الشرق الأوسط، سارع كبار المسؤولين الأمريكيين لزيارة دول الشرق الأوسط، لكن أكثر ما يقلقهم هو من سيملأ ما يسمى بـ”فراغ السلطة” الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة. فالولايات المتحدة لا تزال تحاول التلاعب بالشرق الأوسط كبيدق في لعبة واشنطن الجيوسياسية.

وعلقت صحيفة ((واشنطن بوست)) على ذلك بقولها إن السياسة الخارجية الأمريكية “فقدت كل مرونة” لأنها “تدار بواسطة نخبة منعزلة تعمل بلغة خطابية لإرضاء الجماهير المحلية — ويبدو أنها غير قادرة على الشعور بأن العالم في الخارج يتغير وبسرعة”.

في الوقت الذي كان فيه العالم يهتف للمصالحة في الشرق الأوسط، لم تكتف الولايات المتحدة بالتشكيك في هذه التطورات شفويا وانتقدتها، بل استمرت أيضا في شن غارات جوية على سوريا، معربة بذلك عن معارضتها صراحة لاحتياجات بلدان المنطقة إلى السلام والتنمية. وقوبلت ردود فعل واشنطن بالاحتقار من قبل شعوب الشرق الأوسط. فقد قال المحلل الإماراتي إبراهيم هاشم إن العرب لا يستمعون إلى الأجانب الذين لعبوا دورا مدمرا في العالم العربي في العقود الأخيرة.

إذا ما استمرت الولايات المتحدة في فرض هيمنتها، فسوف تظل بلا كرسي حين تتوقف الموسيقى.