ملف| جمــوح الذهـب.. أسعار المعدن الأصفر تقفز 1000 جنيه منذ بداية 2023

قفزت أسعار الذهب بنحو 1000 جنيه منذ بداية العام الحالي، مدفوعة بزيادة الدولار، وزيادة الطلب على شرائه خاصة السبائك والجنيهات الذهبية.

ورغم زيادة سعر الأوقية بالبورصة العالمية بنسبة تتراوح بين 8 و12%، وتراجع قيمة الجنيه رسميًا مقابل الدولار بنحو 25% خلال الفترة من بداية يناير حتى الخميس الماضي 4 مايو، إلا إن متعاملين بالسوق يرون أن سعر الذهب محليًا انفصل عن السعر العالمي، وبات التسعير متأثرًا بتلاعبات في السوق تنذر باستمرار الارتفاعات القياسية خلال الأشهر المتبقية.

وترصد «كابيتال» في ملف خاص، تطور أسعار الذهب منذ بداية العام، وتوقعات الخبراء والمراقبين للأسعار خلال الفترة المقبلة، وكيفية مساهمة مبادرة “زينة وخزينة” ومقترح السماح للمصريين بالخارج باستيراد الذهب دون جمارك، في زيادة المعروض وخفض الأسعار.

تطور أسعار الذهب منذ بداية العام

شهدت أسعار الذهب ارتفاعات كبيرة منذ بداية العام، حيث افتتح عيار 21 تعاملات العام عند مستوى 1675 جنيهًا مطلع يناير، ثم زاد 125 جنيهًا إلى مستوى 1800 جنيه في منتصف يناير.

وتراجع الذهب مع بداية فبراير إلى 1720 جنيها، واستمر في الاتجاه النزولي ليسجل 1700 جنيه في منتصف فبراير و1680 جنيها مع نهايته.

وفي مارس قفزت أسعار المعدن الأصفر إلى مستوى 1920 جنيهًا في منتصف الشهر، قبل أن تكسر حاجز 2000 جنيه قبل نهاية الشهر.

واستمرت قفزات الذهب في أبريل، ليرتفع سعر الجرام من 2175 جنيهًا إلى 2270 جنيهًا خلال تعاملات منتصف الشهر، ثم إلى نطاق 2700 جنيه مع بداية مايو.

وبالتزامن مع الزيادة الكبيرة في أسعار الذهب المحلية خلال الفترة من بداية يناير إلى مطلع مايو، ارتفعت أسعار الذهب في البورصات العالمية بنحو 150 دولارًا للأوقية، حيث استهل المعدن الأصفر تعاملات العام عند مستوى 1826 جنيهًا، واختتم تعاملات أبريل عند مستوى 1977 جنيهًا، قبل أن ترتفع إلى 2040 مع ختام تعاملات الخميس 4 مايو.

كيف انعكست الأسعار على طلب المصريين على الذهب منذ بداية العام؟

قفز طلب المصريين على الذهب 33% في الربع الأول من 2023، على أساس سنوي، ليصل إلى 16.2 طن، وهو أعلى مستوى منذ الربع الأول من 2010، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي.

وارتفع حجم الطلب على السبائك والجنيهات الذهبية في مصر إلى 7 أطنان خلال الربع الأول، فيما زاد الطلب على المشغولات الذهبية بنحو 6% إلى 9.2 طن، و هو أعلى مستوى منذ الربع الثالث 2015، وفقًا للبيانات.

جاءت زيادة الطلب على السبائك والجنيهات مدفوعة بإقبال المواطنين على الاستثمار بالمعدن الأصفر بغرض الادخار والتحوّط من التضخم، بحسب المجلس.

وقال المجلس في تقريره ربع السنوي، الصادر الجمعة الماضي، إن تخفيض قيمة الجنيه ثلاث مرات في عام، بموازاة تفاقم وتيرة التضخم، عززا بحث المصريين عن ملاذ آمن لأموالهم عبر شراء السبائك والجنيهات الذهبية.

وفقًا للتقرير، جاء المصريون في المرتبة الخامسة حول العالم من حيث ارتفاع الطلب على السبائك والعملات الذهبية، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2023، بعد تركيا، والصين، واليابان، وإيران.

 

إلى أي نطاق سعري يتجه المعدن الأصفر؟

يرى سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة» لتداول الذهب والمجوهرات عبر الانترنت، أن أسعار الذهب تتزايد بشكل مبالغ فيه، في حين أن سعر الذهب محليًا من المفترض ألا يتجاوز مستويات 1750 جنيهًا.

قال إمبابي: “مع الضغط الشديد على شراء المعدن الأصغر الفترة الماضية واستبداله كبديل للدولار من البعض وصل سعر الجرام إلى مستوى 2100 جنيه، قبل أن يتجاوزه إلى 2850 جنيهًا.. استمرار الاوضاع بهذا الشكل ينذر بزيادات أخرى ليست إلى 3 آلاف فقط بل لأكثر من ذلك”.

وقال فادي كامل، المدير التنفيذي لشركة ذهب مصر لتجارة الذهب، إن التوقع بالأسعار خلال فترة شهر أو أقل لا يتناسب مع كون الذهب أصل استثماري وادخاري طويل الأجل، لكن كل الأحداث الجيوسياسية والاقتصادية العالمية والأحوال الاقتصادية المحلية هي مؤشر قوي لصعود الذهب عالميًا ومحليًا.. فننتظر مزيد من الارتفاعات خلال الربع الثاني لأسعار الذهب.

 

كيف سعّر سوق الذهب الدولار مقابل الجنيه منذ بداية العام؟

شهد السعر التحوطي للدولار في سوق الذهب زيادة كبيرة منذ بداية العام، حيث بدأت تعاملات العام بتسعير الجرام عندي مستوى يعادل 28.5 جنيه للدولار، ارتفع إلى 29.1 جنيه في منتصف يناير، ثم تراجع إلى 27.5 جنيه في فبراير، قبل أن يرتفع مرة أخرى إلى 28.8 جنيه مطلع مارس.
وفي منتصف مارس كسر سعر الدولار حاجز 31 جنيها، واستمر في الارتفاع خلال أبريل الذي شهد تسعير الدولار بقيمة تتراوح بين 34 و 35 جنيهًا حتى منتصف الشهر، قبل أن يكسر حاجز 40 جنيها مع نهاية الشهر نفسه.

وقال “إمبابي” إن السعر التحوطي للدولار في سوق الذهب بلغ الفترة الماضية 50 جنيها مصريًا.. مضيفًا “تلك الأرقام ناتجة من عملية حسابية بحته”.

وأضاف: “حقيقة الأمر السعر انفصل تمامًا عن الطريقة المحاسبية التقليدية وأصبح التلاعب في الأسعار وراء ستار العرض والطلب هو الأساس”.

 

لماذا تفاقمت أزمة أسعار الذهب؟

يرى “إمبابي” أن جزء كبير من الأزمة الحالية سببه زيادة الطلب على الذهب بشكل عام والذهب الخام فى صورة سبائك بشكل خاص.

وقال: “يجب أن نتاكد من حجم هذا الطلب لأن الجزء الأكبر من المشكلة فى عدم معرفة حجم العرض والطلب الحقيقي والتى أثرت على الأسعار بهذا الشكل المخيف وفتحت باب التلاعب من البعض”.

فيما يرى فادي كامل، المدير التنفيذي لشركة ذهب مصر، إن الأزمة الحالية ناتجة عن تحول سوق الذهب المحلي إلى سوق “مقفول” على ذاته، مضيفًا “خرجنا بنسبة 70% من الارتباط النسبي بالسعر العالمي حتى شهدنا في نهاية الأسبوع الماضي ارتفاع السعر العالمي مع ثبات نسبي للسعر المحلي.. هذا حدث في بعض الأسواق العالمية سابقًا”.

وأضاف: “مع وقف استيراد الخام أصبح المصدر الأساسي لتوفير خام الذهب عبر عمليات بيع الذهب من المواطنين، ومع زيادة الطلب تراجعت نسبة المعروض وبالتالي ارتفع السعر جدًا، وأكبر دليل على ذلك أن التجار يشترون بالأسعار المرتفعة التي بلغها الذهب.

وقبل أيام، قال هاني ميلاد، رئيس شعبة الذهب باتحاد الغرف التجارية، إن هناك إقبال كبير على شراء الذهب خاصة السبائك في مقابل انخفاض بحجم المعروض، وهو الأمر الذي رفع أسعار الذهب إلى ما بين 2600 و2650 جنيهًا للجرام.

وعزا ميلاد زيادة الإقبال على شراء السبائك على حساب المشغولات الذهبية، لاتجاه المواطنين لاستثمار أموالهم في السبائك للحفاظ على قيمة مدخراتهم، والتحوط من انخفاض سعر صرف الجنيه.

وأشار إلى وجود نمو كبير في حجم السبائك المباعة خلال الشهور الستة الماضية والتي تمثل أكثر من 80% من حجم المسحوبات.

وفقًا لميلاد، تحدد 3 عوامل رئيسية أسعار الذهب المحلية، هي الأسعار العالمية والدولار والعرض والطلب، وقال إن السوق يشهد طلبًا متزايدًا خلال الفترة الأخيرة ما أدى إلى ارتفاعات قياسية في الأسعار، خاصة مع وجود شح كبير في المعروض.

 

كيف يمكن ضبط السوق؟

يرى فادي كامل، أنه لابد من تدخل الدولة وتنظيم السوق بشكل كبير، عبر طرح إجراءات تنظيمية وتسعيرية بالتعاون مع شعبة الذهب والتجار والمصنعين، خاصة أنهم أصحاب الخبرة في المجال.

وقال “كامل” إن استخدام الأساليب التكنولوجية ودخول القطاع المالي في الذهب يجعله سوقًا اكثر جاذبية وأوسع، ما قد يسهم في خفض الضغط عليه حاليًا.

ويرى سعيد إمبابي، أن الدولة لها دورًا هامًا فى حل الأزمة الحالية، لكن لابد من معرفة الأسباب الحقيقة وراء تلك الأزمة.

وأضاف: “إذا كانت الأزمة فى نقص المعروض فكرنا فى حلول لزيادته أو أوجدنا بديلًا مناسبًا للمواطنين المهتمين بحفظ مدخراتهم.. فجميعنا يعلم أن طريق الحل يبدأ من معرفة المعلومات والمعطيات وإلا سنظل فى دائرة مفرغة”.

وقبل أيام، طرحت شعبة الذهب باتحاد الغرف التجارية، مبادرة من 3 محاور لضبط أسعار الذهب بالأسواق.

يتضمن المحور الأول للمبادرة، خفض أسعار المصنعية على المشغولات الذهبية للمستهلكين بالتعاون بين المصانع المنتجة ومحلات التجزئة، لزيادة الإقبال على المشغولات وتقليل الضغط على السبائك.

ويشمل المحور الثاني السماح بإدخال سبائك ذهبية بواسطة المصريين بالخارج دون جمارك.

فيما يشير المحور الثالث إلى إطلاق حملات توعية للتاجر والمستهلك لتعريف تجار التجزئة بضوابط وقواعد إطلاق التخفيضات طبقا للقواعد الإجرائية والقانونية لذلك، وتوعية المستهلك لعدم الانخداع وراء عروض التخفيضات الوهمية.

 

مساعٍ حكومية لزيادة المعروض

قال الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية، قبل أيام، إن وزارته لا تسطيع التدخل في سوق الذهب والذي يتأثر بسعر الدولار والبورصة العالمية والعرض والطلب.

لكن في الوقت نفسه أشار المصيلحي إلى اعتزام وزارته التقدم بمذكرة لمجلس الوزراء للسماح للمصريين العاملين بالخارج من بالدخول بكميات محدودة من السبائك والجنيهات الذهبية دون جمارك وذلك في ظل ارتفاع الطلب وتراجع المعروض.

وقال الدكتور محمد معيط، وزير المالية  إن الحكومة تعكف على دراسة المقترح، وخلال 48 ساعة قد تتضح الرؤية بشأن إمكانية تنفيذه.

هل يساعد ذهب المصريين بالخارج في حل أزمة المعروض؟

قال فادي كامل، إن المبادرات شىء إيجابي في حل أي أزمة بشكل عام، لكن لابد من مبادرات من الشعبة وبورصة السلع المصرية والبنوك.

وأضاف كامل: “إذا تحدثنا عن مبادرة السماح للمصريين بالخارج بالدخول بكميات محدودة من السبائك والجنيهات الذهبية دون جمارك بشكل خاص فهي إيجابية طبعًا ولكن لابد من دراسة إجراءاتها بشكل كبير وتحديد مواعيدها”.

وتوقع كامل أن تضيف المبادرة إلى إجمالى الذهب المعروض في السوق ما يجعل العرض الى حد ما يرتفع قليلًا”.

هل تنجح مبادرة زينة وخزينة في خفض الأسعار؟

أطلقت شعبة الذهب باتحاد الغرف التجارية مبادرة «زينة وخزينة» خلال مايو الحالي لتخفيض أسعار المصنعية على المشغولات الذهبية للمستهلكين لمدة شهر وذلك بالتعاون بين المصانع المنتجة ومحلات التجزئة.
وقال هاني ميلاد رئيس الشعبة، إن المبادرة تستهدف رفع العبء عن المستهلك المصري وتلبية احتياجاته من خلال توفير مشغولات ذهبية للزينة و كملاذ آمن للاستثمار.

ووصف سعيد إمبابي، مبادرة زينة وخزينة بالجيدة، لكن لم تنتبه إلى أن المصنعيات أصبحت مخفضة فعليًا.

وأضاف: “بعد تجاوز أسعار الذهب تلك المستويات غير المسبوقة أصبحت المصنعيات لا تمثل نسبة تذكر من قيمة المنتج، وتقليل المصنعيات سيضغط على المصانع والمحلات بشكل أكبر وهم بالفعل متحملين خسائر ضخمة جراء الارتفاع غير المبرر للأسعار”.

ووصف فادي كامل، مبادرة زينة وخزينة بالإيجابية، خاصة مع استهدافها تنشيط المشغولات التي تعاني من ركود و ضرر كبير.

وأوضح كامل: “لكن لازم من دوري هنا أوضح لأن فيه خلط كبير.. الناس والإعلام يتحدثون عن انقسام السوق والطلب على السبائك والجنيهات كبير والمشغولات سوقها يعاني”.

وأضاف: “سوق السبائك مختلف تمامًا عن سوق المشغولات.. الأول سوق استثماري ادخاري يتعامل الذهب فيه كأصل مالي منقول القيمة، أما المشغولات فهي الحلى والزينة وبالطبع بما أنها ذهب فهي تعتبر خزينة للقيمة”.

هل تؤثر زيادة الفائدة الأمريكية على أسعار الذهب؟

قال “إمبابي” إنه من المفترض انعكاس زيادة أسعار الفائدة على سعر الذهب عالميًا، إذ تدفع المستثمرين للاتجاه للدولار وبالتالي انخفاض الطلب على الذهب، لكن “حديثنا هذا عن المستثمرين فى البورصات العالمية وليس سوقنا المحلى الذي انفصل فعليًا عن السوق العالمى وأصبح التسعير بناءً على عامل العرض والطلب فقط”.

وقال “كامل” إنه بعد رفع الفيدرالي أسعار الفائدة نهاية الأسبوع الماضي -وهو أخر رفع للفائدة كما كان مخطط من الفيدرالي لمحاربة التضخم- أعتقد أننا سنبدأ عصر ارتفاعات الذهب.

وأضاف: “مع ارتفاع حالة عدم اليقين العالمية إذا قام الفيدرالي باي من الاتجاهين سواء رفع او خفض الفائدة الاجتماع المقبل ستتجه أسعار الذهب إلى الارتفاع، فإذا رفع الفائدة مجددًا سيفقد المستثمرون ثقتهم في الفيدرالي لأنه لم يستطع السيطرة علي التضخم، وإذا خفض الفائدة ستهرب الأموال من الدولار وتتجه لأسواق أخرى ومنها التحوط والملاذ الآمن، مما يؤدي إلى ارتفاعات في الأسعار مجددًا.

وتابع: “كما أشرنا سابقًا أنه خلال الربع الثاني من 2023 سيتجه الذهب محليًا وعالميًا لمستويات أسعار جديدة.. نتوقع أن يتخطى عيار 21 حاجز 3000 جنيه، وأن يتخطى السعر العالمي حاجز 2100 دولار قريبًا جدًا.

 

هل تؤثر تقلبات أسعار الذهب المحلية على ترتيبه بين الملاذات الآمنة؟

يرى “كامل” أن تقلبات أسعار الذهب المحلية هي أكبر دليل على أن الذهب سيظل هو الملاذ الآمن لحفظ القيمة و الاستثمار طويل الأجل.

وقال “كامل”: “بمراجعة أرقام التضخم العالمية والمحلية وأسعار الفائدة وأسعار الذهب منذ بداية العام حتى الآن سنجد أن الذهب هو حافظ القيمة الوحيد المتصدر المشهد عالميًا ومحليًا.

كما يرى “إمبابي” أن تقلبات أسعار الذهب ستؤثر على ترتيبه بين الملاذات الآمنة مؤقتًا فقط، خاصة أنه يعد الملاذ الآمن من جميع تقلبات الأسواق بشتى أنواعها، وأنه دائمًا ما يأتي فى المقام الأول عند حدوث آي أزمات أو حروب أو تقلبات فى البورصات بشكل عام.

 

هل الوقت الحالي مناسب لبيع الذهب أم لشرائه أم لتعليق القرار الاستثماري؟

قال “إمبابي” إن الذهب تحوّل من كونه أداة لحفظ القيمة إلى أداة للاستثمار.. هذا فقط خاص بالسوق المصري، لكن يظل الذهب دائمًا وابدًا فى الأصل أداة لحفظ القيمة.

ونصح “كامل” جميع المهتمين بسوق الذهب بـ”المتابعة ثم المتابعة ثم المتابعة” قبل اتخاذ قرار الشراء، خاصة أن السعر الحالي يشكّل نقطة فارقة.

وأضاف: “هذا لايعني تعليق القرارات الاستثمارية، فالتقلبات التي تحدث في السوق المحلي بالأخص تشكل فرص يومية في البيع والشراء، فالسعر الأن هو من أعلى الأسعار في التاريخ وهي فرصة لجني الأرباح لمن يريدون البيع وأيضًا الاتجاه الصعودي العام والمستمر لسعر الذهب يدعم فرص الشراء بشكل كبير”.