اتفق الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء على تعزيز العلاقات الثنائية القائمة على مبادئ حسن الجوار والصداقة والتعاون المربح للجانبين، فضلا عن تعميق شراكة التنسيق الإستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في العصر الجديد.
ووصف خبراء زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس شي إلى روسيا بأنها “رحلة صداقة وتعاون وسلام”، وقالوا إن توطيد العلاقات الصينية-الروسية سيعزز السلام والاستقرار الإقليميين ويساهم في تحقيق التوازن في المشهد الإستراتيجي العالمي.
وبعد ظهر الثلاثاء بالتوقيت المحلي، أجرى الرئيس شي محادثات مع بوتين في الكرملين في العاصمة موسكو. وعقد الجانبان محادثات صادقة وودية ومثمرة حول العلاقات الثنائية بين البلدين والقضايا الإقليمية والدولية الرئيسية ذات الاهتمام المشترك، وتوصلا إلى تفاهمات مشتركة جديدة ومهمة في العديد من المجالات.
وفي معرض إشارته إلى أن الصين وروسيا هما أكبر جارين لبعضهما البعض، قال الرئيس شي إن تعزيز وتطوير علاقات حسن الجوار طويلة الأجل مع روسيا أمر يتسق مع المنطق التاريخي ويعد خيارا إستراتيجيا للصين، ولن يتغير بأي تحول للأحداث.
وأفاد الرئيس شي أنه منذ زيارته الرسمية الأولى لروسيا قبل 10 سنوات، تتمتع الصين وروسيا بالاحترام المتبادل والثقة المتبادلة والمنفعة المتبادلة، موضحا أن العلاقات بين البلدين زادت قوة على قوة، مما يدل على تميزها بأنها أكثر شمولا وأكثر عملية وأكثر إستراتيجية.
وذكر الرئيس شي أنه بغض النظر عن الكيفية التي قد يتغير بها المشهد الدولي، ستظل الصين ملتزمة بتعزيز شراكة التنسيق الإستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في العصر الجديد.
ويرى أمادو ديوب، وهو خبير سنغالي في الشؤون الصينية، أن زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس شي إلى روسيا “ذات أهمية كبيرة”، وستضخ طاقة إيجابية قوية في الوضع الدولي المعقد.
وقال ديوب إن “الصين وروسيا تعملان بشكل أوثق مع الدول النامية لتعزيز التعددية والرخاء المشترك واحترام وحماية مصالح الدول النامية”.
وقال سيرغي لوكونين، رئيس قسم السياسة والاقتصاد الصيني في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إن زيارة الرئيس شي تشهد مرة أخرى على أهمية العلاقات الروسية-الصينية وتؤكد من جديد أن روسيا والصين ستواصلان ممارسة التعددية الحقيقية، وتعزيز بناء عالم متعدد الأقطاب، وتعزيز الحوكمة العالمية، والمساهمة في التنمية العالمية.
وخلال المحادثات مع الرئيس بوتين، أشار الرئيس شي إلى أن الصين وروسيا، باعتبارهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي ودولتين كبيرتين في العالم، تتحملان مسؤوليات طبيعية لبذل جهود مشتركة لتوجيه وتعزيز الحوكمة العالمية في اتجاه يلبي توقعات المجتمع الدولي ويعزز بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
ودعا الجانبين إلى تعزيز التواصل والتنسيق في الشؤون الدولية، وخاصة ضمن الأمم المتحدة ومنظمة شانغهاي للتعاون و”بريكس” وغيرها من الأطر متعددة الأطراف، وممارسة التعددية الحقيقية، ومعارضة الهيمنة وسياسات القوة، والمساهمة في الانتعاش الاقتصادي العالمي بعد جائحة كوفيد-19، ودفع الاتجاه نحو عالم متعدد الأقطاب، وتعزيز إصلاح وتحسين نظام الحوكمة العالمية.
من جانبه، هنأ الرئيس بوتين الصين على النجاح في المساعدة في تحقيق نتائج تاريخية من المحادثات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية في بكين، مضيفا أن ذلك أظهر بشكل كامل مكانة الصين المهمة وتأثيرها الإيجابي كدولة كبرى في العالم.
وقال الرئيس بوتين إن روسيا تقدر الصين لتمسكها المستمر بموقف موضوعي ومحايد في الشؤون الدولية، وتدعم كلا من مبادرة الأمن العالمي ومبادرة التنمية العالمية ومبادرة الحضارة العالمية التي طرحتها الصين وتقف على أهبة الاستعداد لمواصلة تعزيز التنسيق الدولي مع الصين.
وبالنسبة للعالم النامي، قال عبد الكريم درامي، وهو كاتب عمود سياسي مالي وخبير في الجغرافيا السياسية، إنه من المتوقع أن يؤدي تعزيز العلاقات الصينية-الروسية إلى تعزيز تنمية عالم متعدد الأقطاب، مما سيسمح للدول الأفريقية بتأكيد سيادتها بشكل أفضل من خلال الاستفادة من علاقات دولية أكثر توازنا تحترم الخيارات السياسية والاقتصادية لكل دولة.
وقال “أعتقد أن زيارة الرئيس شي لروسيا ستضخ طاقة إيجابية قوية في العلاقات الدولية وتقدم إسهامات جديدة لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية”.
وأعرب المحلل السياسي الفلسطيني عمر حلمي الغول عن اعتقاده بأن النظام الدولي الرشيد يجب أن يدعم التعددية ويعامل كل بلد وأمة بطريقة متساوية، بدلا من أن تهيمن عليه دائرة صغيرة من البلدان.
وفي الوقت نفسه، شدد الرئيس شي وبوتين يوم الثلاثاء على ضرورة حل الأزمة الأوكرانية من خلال الحوار.
وفي البيان المشترك لجمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي بشأن تعميق شراكة التنسيق الإستراتيجية الشاملة في العصر الجديد، يعارض الجانبان الممارسة التي يقوم بها أي بلد أو مجموعة من البلدان للحصول على مزايا في المجالات العسكرية والسياسية وغيرها من المجالات على حساب المصالح الأمنية المشروعة للبلدان الأخرى.
ويؤكد الجانب الروسي من جديد التزامه باستئناف محادثات السلام في أقرب وقت ممكن، وهو ما يحظى بتقدير الصين. ويرحب الجانب الروسي باستعداد الصين للعب دور إيجابي في التسوية السياسية والدبلوماسية للأزمة الأوكرانية ويرحب بالمقترحات البناءة الواردة في وثيقة موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية.
ويشير الجانبان إلى أنه لتسوية الأزمة الأوكرانية، يجب احترام المخاوف الأمنية لجميع الدول، وينبغي منع مواجهة الكتل وتجنب تأجيج النيران.
كما يشدد الجانبان على أن الحوار المسؤول هو أفضل طريقة للتوصل إلى حلول مناسبة. وتحقيقا لهذه الغاية، يتوجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم للجهود البناءة ذات الصلة.
وتدعو الصين وروسيا إلى وقف جميع التحركات التي تؤدي إلى إحداث التوترات وإطالة أمد القتال لمنع تفاقم الأزمة أو حتى خروجها عن السيطرة. وتعارضان أيضا فرض أية عقوبات أحادية الجانب غير مصرح بها من قبل مجلس الأمن الدولي.
وقال محمد رضا منافي، رئيس تحرير قسم أخبار آسيا والمحيط الهادئ في وكالة أنباء ((إرنا)) الإيرانية الرسمية، إن الصين أطلقت “مبادرة مهمة للغاية” لإيجاد حل سياسي للأزمة الأوكرانية، ويجب على المجتمع الدولي الاعتراف بالصين لدورها كدولة تعمل من أجل السلام والاستقرار في العالم.
وبيّن منافي أن “الصين أقنعت بقية العالم بأنها تؤمن بأن السلام والصداقة العالميين سيفيدان جميع الشعوب في كل مكان، في حين أن الحرب والعداء لن يخدما الإنسانية أبدا”.