شينخوا: زيارة شي إلى روسيا تهدف إلى توجيه العلاقات الثنائية وتعزيز الاستقرار العالمي

ستكون زيارة الدولة القادمة للرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا، وهي أول رحلة خارجية له منذ إعادة انتخابه رئيسا للصين، رحلة صداقة وتعاون وسلام.

ومن المقرر أن تضع الزيارة، المقرر إجراؤها في الفترة من 20 إلى 22 مارس، مخططا لتطوير شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في العصر الجديد.

كما أنها ستدفع التعاون العملي بين البلدين، وستضخ زخما قويا في الجهود المبذولة للحفاظ على السلام والازدهار من أجل البناء المشترك لمجتمع مصير مشترك للبشرية.

 نموذج للعلاقة بين الدول الكبرى

في وقت سابق من الشهر الجاري، انتشرت لقطات لباندا صينية تُدعى رويي على الإنترنت، والتي ظهر فيها وهو يلعب ويتناول الخيزران الطازج في حديقة حيوان موسكو. انتقل رويي ورفيقته دينغدينغ رسميا إلى منزلهما الجديد في موسكو خلال حفل كبير حضره شي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في يونيو 2019.

خلال تلك الزيارة، وقع الزعيمان وأصدرا بيانا مشتركا يرفع العلاقات الثنائية إلى شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة في العصر الجديد، ويفتح فصلا جديدا في العلاقات الصينية-الروسية يتميز بمستوى أعلى وتطور أكبر.

والآن شي على وشك أن تطأ قدمه الأراضي الروسية للمرة التاسعة كرئيس للصين. على مدى العقد الماضي، التقى رئيسا الدولتين مع بعضهما البعض في حوالي 40 مناسبة. ولطالما كانت التبادلات المتكررة وعالية الجودة هي الدافع لتنمية العلاقات الصينية-الروسية.

وشهدت السنوات الماضية نموا مطردًا للعلاقات الصينية-الروسية مع توقيع مجموعة من الوثائق المهمة مثل بيان مشترك بشأن التعاون المربح للجانبين وتعميق شراكة التنسيق الاستراتيجية الشاملة بينهما عام 2013، والبيان المشترك بين الصين وروسيا بشأن مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية الشاملة في 2014، والبيان المشترك عام 2015 بشأن تعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة للتنسيق والدعوة إلى التعاون المربح للجانبين، والبيان المشترك بين الصين وروسيا بشأن زيادة تعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا عام 2017.

وفي عام 2021، احتفل الرئيسان بالذكرى العشرين لمعاهدة حسن الجوار والتعاون الودي بين الصين وروسيا واتخذا قرارا بتمديد الاتفاقية.

ونظرا لأن العالم يواجه تغييرات عميقة لم نشهدها من قبل وجائحة غير مسبوقة، فقد حافظ شي وبوتين على اتصال وثيق من خلال وسائل مختلفة، بما في ذلك عقد اجتماع خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية (بكين 2022) وإجراء محادثات تقليدية عبر الإنترنت في نهاية العام ومكالمات ورسائل، إلى جانب المشاركة عبر رابط الفيديو في مراسم وضع حجر الأساس لمشروع تعاون ثنائي في مجال الطاقة النووية وفعاليات كبرى أخرى أقيمت في دولتيهما.

وفي إطار القيادة المشتركة لرئيسي الدولتين، نمت الشراكة الثنائية بين البلدين بشكل أكثر نضجا ومرونة.

كما يقول المثل الصيني القديم “الشراكة الحقيقية تتحدى المسافة الجغرافية”. مهدت الصين وروسيا مسار نمو العلاقات بين الدول الكبرى التي تتميز بالثقة الاستراتيجية وحسن الجوار، ما يشكل مثالا جيدا لنمط جديد من العلاقات الدولية.

وفي الوقت نفسه، تستند العلاقات الصينية-الروسية إلى عدم الانحياز وعدم المواجهة وعدم استهداف أي طرف ثالث. ولا تشكل العلاقات أي تهديد لأي دولة أخرى في العالم، كما أنها لا تخضع لتدخل أو استفزاز من جانب أي طرف ثالث.

وقال فاسيلي كاشين، مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية الشاملة في جامعة الأبحاث الوطنية الروسية – المدرسة العليا للاقتصاد، إن روسيا والصين قد وضعتا نموذجا للعلاقة بين الدول الكبرى.

وأضاف كاشين أن “العلاقات الروسية-الصينية، الفعالة والمسؤولة والموجهة نحو المستقبل، لعبت دورا في استقرار الشؤون الدولية”.

 فصل جديد في التعاون والصداقة

وفي يونيو من العام الماضي، فُتح جسر هيخه-بلاغوفيشتشينسك السريع العابر للحدود فوق نهر هيلونغجيانغ، أمام حركة المرور. ربطت القناة الجديدة، وهي علامة فارقة في ارتباطية البنية التحتية، بين شمال شرقي الصين والشرق الأقصى لروسيا وسط ازدهار التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجارتين.

ونمت التجارة الثنائية خلال العقد الماضي، حيث قفزت من أقل من 90 مليار دولار أمريكي عام 2013 إلى أكثر من 190 مليار دولار في العام الماضي واقتربت من هدف 200 مليار دولار الذي حدده رئيسا الدولتين.

وزادت صادرات السيارات وقطع الغيار من الصين إلى روسيا بسرعة خلال السنوات الأخيرة. وبنهاية العام الماضي، ارتفع عدد تجار السيارات من العلامات التجارية الصينية في روسيا، إلى 1041.

وفي الوقت نفسه، أصبحت المنتجات الروسية ذات الجودة العالية من الشوكولاتة والعسل والدقيق والكحول، متاحة على نطاق أوسع بالنسبة للعملاء الصينيين. وأعلن مركز التصدير الروسي، المؤسسة الحكومية لدعم الصادرات في البلاد، عن زيادة عدد المتاجر الإلكترونية في محاولة للسماح للعملاء الصينيين بالوصول بسهولة إلى المنتجات الروسية عالية الجودة.

وفي الوقت الذي يزدهر فيه التعاون العملي الثنائي الشامل، تزدهر فيه أيضا التبادلات الشعبية والثقافية بين البلدين، ما أدى إلى بناء دعم شعبي للصداقة الصينية-الروسية.

وحاليا، يحتفل الشعبان بعامي 2022-2023 للتبادلات الرياضية بعد عام التبادلات الودية للشباب، وعام التبادلات الإعلامية، وعام أنشطة التعاون والتبادلات دون الوطنية، وعام الابتكار العلمي والتكنولوجي.

وقال يوري تافروفسكي، الأستاذ في الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب، إن روسيا والصين نفذتا تعاونا نشطا بتوجيه من رئيسي الدولتين خلال السنوات العشر الماضية، معربا عن تطلعه لأن يفتح زعيما البلدين مزيدا من المجالات الجديدة للتعاون الثنائي في المستقبل.

 من أجل الإنصاف والعدالة

وبالعودة إلى عام 2013، اختار شي روسيا لتكون وجهة لجولته الخارجية الأولى بعد أن أصبح رئيسا. وفي كلمته التي ألقاها في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية خلال تلك الزيارة، دعا شي إلى بناء نمط جديد من العلاقات الدولية وفي القلب منه التعاون المربح للجانبين، مشددا على أن البشرية “برزت بشكل متزايد كونها مجتمع مصير مشترك يهتم فيه الجميع بأمور بعضهم البعض”.

إن رؤية بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية لا تعكس فقط الصوت المشترك لجميع الشعوب وتجمع التوافق الواسع للمجتمع الدولي، ولكنها أيضا تقود اتجاه العصر والطريق إلى الأمام للبشرية. منذ اقتراحها، تكرس هذا المفهوم مرارا في وثائق مهمة للأمم المتحدة ومنظمة شانغهاي للتعاون وآليات أخرى متعددة الأطراف.

وقال أناتولي توركونوف، رئيس معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، “لقد مرت عشر سنوات، ونعي أن أهمية هذا المفهوم لم تتقلص بل أصبحت أكثر أهمية”، مشيدا بكلمة شي التي ألقاها في المعهد عام 2013.

لقد وصل العالم الآن إلى مفترق طرق تاريخي آخر.

إن لعبة شد الحبل بين طرفي العودة إلى عقلية الحرب الباردة وإثارة الانقسام والعداء وتأجيج المواجهة بين الكتل من ناحية، والعمل من منطلق الصالح العام للبشرية لتعزيز المساواة والاحترام المتبادل والتعاون المربح للجميع من ناحية أخرى، أمر يختبر حكمة القادة في الدول الكبرى بالإضافة إلى إدراك البشرية جمعاء. لقد أثبتت الحقائق مرارا أن الاحتواء والقمع لا يحظيان بشعبية، وأن العقوبات والتدخل مآلهما الفشل.

في اللحظة الحرجة من تاريخ البشرية، أصدر شي تقديرا مهما بأن “العالم اليوم يمر بتغييرات عميقة غير مسبوقة منذ قرن”، بينما أصدر بوتين أيضا تقييما مشابها خلال اجتماع نادي فالداي للحوار.

كلما كان العالم أكثر اضطرابا، ينبغي أن تمضي العلاقات بين الصين وروسيا إلى الأمام بشكل أكثر ثباتا.

وبصفتهما الدولتين المؤسستين لمنظمة شانغهاي للتعاون، فقد دفع الجانبان التعاون متعدد الأطراف إلى الأمام، ووسعا تركيز المنظمة من الأمن إلى السياسة والاقتصاد والتبادلات الشعبية والثقافية. كما قدما إسهامات مشتركة لتحسين النظام العالمي والتنمية العالمية والإقليمية، فضلا عن أمن أعضاء المنظمة.

في إطار آلية بريكس، لعبت بكين وموسكو، جنبا إلى جنب مع أعضاء آخرين، دورا نشطا في دفع إصلاحات الحوكمة الاقتصادية العالمية، وخلقتا بشكل مشترك صوتا أقوى في القضايا الدولية والإقليمية الرئيسية. وقد مكنت هذه الجهود الاقتصادات الناشئة والدول النامية من أن يكون لها رأي أكبر على المسرح العالمي. لقد أصبحت الاقتصادات النامية، والمتمثلة في دول بريكس، المحرك الجديد للعولمة الاقتصادية في عالم اليوم الذي يعاني من بروز الشعبوية والحمائية.

إن الصين وروسيا، بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي وطرفين مهمين في مجموعة العشرين وأبيك وفي مجموعات رئيسية أخرى على الساحتين العالمية والإقليمية، عملتا بشكل وثيق إزاء القضايا المتعلقة بالوضع في شبه الجزيرة الكورية وأفغانستان، وكذلك القضية النووية الإيرانية. لقد لعبت الدولتان دورا رائدا في تعزيز التعددية القطبية والديمقراطية في العلاقات الدولية وحماية التوازن والاستقرار الاستراتيجيين على الصعيد العالمي.

وبعد مرور عشر سنوات، ستواصل الصين العمل مع روسيا لمتابعة اتجاه العصر، ودفع الوحدة والتعاون على الصعيد العالمي واحتواء الانقسام والمواجهة، من أجل تقديم إسهامات جديدة وأكبر في سلام البشرية وتنميتها.