تتمتع “الدورتان السنويتان” للصين بأهمية بالغة ليست فقط لتنمية الصين ولكن أيضا للدول الأخرى المهتمة بفهم مسار النمو المستقبلي للصين وتأثيره العالمي.
تشير “الدورتان السنويتان” إلى الاجتماعات السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، أعلى هيئة تشريعية في البلاد، والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، أعلى هيئة استشارية سياسية، على التوالي.
لا تزال سياسة الانفتاح الصينية واحدة من أهم الموضوعات خلال الدورتين السنويتين لهذا العام، حيث يوضح تقرير عمل الحكومة المقدم إلى الهيئة التشريعية الوطنية للمداولة التقدم المطرد والتصميم المثير للإعجاب للصين على هذه السياسة، إذ ورد في التقرير: “ما زلنا ملتزمين بالانفتاح على نطاق أوسع على العالم وتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري الدولي لتحقيق منفعة متبادلة”.
وبصفتي مصريا أعيش في الصين منذ سنوات، فقد شاهدت سعي البلاد للانفتاح على نطاق واسع، وأعتقد أن انفتاح الصين يعد أمرا حيويا للتعافي الاقتصادي العالمي المتعثر.
قصص وراء حقائب السفر
يتشارك أصدقائي من جنسيات مختلفة نفس الشعور بأن حقائبنا قد أصبحت خفيفة عند العودة إلى الصين بعد العطلات. فمنذ أكثر من عقد من الزمان، كانت عائلتي دائما تملأ حقيبتي بالمنتجات المميزة التي لا يمكن شراؤها في الصين قبل عودتي.
الآن، دخلت المزيد من المنتجات العالمية السوق الصينية من خلال منصات مثل معرض الصين الدولي للاستيراد ومعارض أخرى، حيث باتت المنتجات العربية، بما في ذلك البرتقال المصري والتمور الإماراتية والزيوت الأساسية السورية وغيرها، متاحة بسهولة في محلات السوبر ماركت المحلية في الصين، ولم أعد بحاجة إلى حمل هذه الأشياء على طول الطريق إلى الصين.
وفقا لتقرير عمل الحكومة، طورت الصين أشكالا جديدة للتجارة الخارجية على مدى السنوات الخمس الماضية، وأقامت 152 منطقة تجريبية متكاملة جديدة للتجارة الإلكترونية عبر الحدود. كما حققت أحداث تجارية كبرى نتائج إيجابية في هذا الصدد، مثل معرض الصين الدولي للاستيراد ومعرض الصين الدولي لتجارة الخدمات ومعرض الصين الدولي للمنتجات الاستهلاكية.
وأضاف التقرير أن الصين عملت على تبسيط إجراءات التخليص الجمركي وخفض وقت التخليص للواردات والصادرات بنسبة 67 في المائة ونسبة 92 في المائة على التوالي.
وفي خضم الاتجاه المتنامي للحمائية التجارية وما يسمى بـ”فصل وقطع سلاسل الصناعة والعرض” من قبل بعض الدول المتقدمة، أصبحت جهود الصين نحو تحرير التجارة وتسهيلها حاسمة على نحو متزايد.
ومع سوق هائلة تضم أكثر من 1.4 مليار شخص، تعد الصين أكبر دولة لتجارة السلع في العالم، وشريكا تجاريا رئيسيا لأكثر من 140 دولة ومنطقة، وتمتلك ثاني أكبر سوق استهلاكية وسوق استيراد في العالم. لذلك، ليس هناك شك في أن الصين هي محور رئيسي للدورة الاقتصادية العالمية، وتفيد العالم بأسره بأرباح سوقها الضخمة.
جاذبية قوية للاستثمار الأجنبي
يعد “تكثيف الجهود لجذب واستخدام الاستثمارات الأجنبية”، الوارد في تقرير عمل الحكومة، أحد الأولويات الرئيسية للعمل الاقتصادي للحكومة الصينية في عام 2023.
وخلال تجربتي التي تزيد عن عقد من الزمن منذ العيش في الصين، رأيت عددا متزايدا من الشركات الأجنبية التي تستثمر في الصين. فعندما دخلت الشركات الصين لأول مرة، اعتبرت معظمها الصين بمثابة “مصنع العالم”. لكن وفي وقت لاحق، أنشأت العديد من هذه الشركات مراكز بحث وتطوير في البلاد لزيادة القيمة المضافة لسلاسلها الصناعية باستمرار.
في عام 2022، توسع الاستثمار الأجنبي المباشر في البر الرئيسي الصيني قيد الاستخدام الفعلي بنسبة 8 بالمائة على أساس سنوي إلى 189.13 مليار دولار أمريكي، ما عزز مكانة الصين كمغناطيس جاذب للمستثمرين الأجانب.
ومن بين الدول العربية، تعتبر استثمارات دول الخليج العربي في الصين لافتة للنظر بشكل خاص. فقد قامت شركة “أرامكو” السعودية وشركة بترول أبوظبي الوطنية، وشركة البترول الوطنية الكويتية وغيرها من عمالقة الطاقة بتعاون استثماري متعمق مع شركائها الصينيين.
لطالما كانت صناديق الثروة السيادية لدول الخليج تستثمر بشكل أساسي في الأسواق المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة. وخلال السنوات الأخيرة، ومع استمرار تطور العلاقات بين الصين والدول العربية وتعميق العلاقات الاقتصادية بينهما، أصبحت السوق والأصول الصينية تدريجيا من الوجهات المفضلة لصناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط.
وأنشأ سوق أبوظبي العالمي، وهو مركز مالي عالمي، أول مكتب تمثيلي خارجي له في بكين في عام 2018.
من جهة أخرى، تمارس مجموعة عجلان وإخوانه القابضة السعودية، وهي واحدة من أكبر مؤسسات القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط، أعمالها في الصين منذ أكثر من 20 عاما. ومع تزايد التبادلات الاقتصادية والتجارية الوثيقة بين الصين والسعودية، أنشأت الشركة أربعة مكاتب استثمارية في بكين وشانغهاي وشنتشن وهونغ كونغ منذ عام 2017.
“نحن بحاجة إلى “التكاتف” مع بعضنا البعض بدلاً من “التخلي” عن أيدي بعضنا البعض. نحتاج إلى “هدم الجدران”، وليس “تشييد الأسوار”. لقد تأثرت بشدة بهذه الكلمات الملهمة التي أدلى بها الرئيس الصيني شي جين بينغ، وأعتقد أن الصين تمضي في طريقها.
تعبر جملة وردت في تقرير عمل الحكومة عن ثقة الصين في جذب المزيد من الاستثمار الأجنبي، قائلة إنه ومع وجود سوق واسع ومفتوح، من المؤكد أن الصين ستوفر فرصا تجارية أكبر للشركات الأجنبية في الصين.
المزيد من الأصدقاء، المزيد من الفرص
يصادف هذا العام الذكرى السنوية العاشرة لمبادرة “الحزام والطريق”، التي اجتذبت مشاركة أكثر من ثلاثة أرباع دول العالم و32 منظمة دولية حتى الآن.
وعلى مدى العقد الماضي، استثمرت الشركات الصينية 397.9 مليار يوان (حوالي 57 مليار دولار أمريكي) في مناطق التعاون التي بنيت في الدول الواقعة على طول “الحزام والطريق”، ما خلق 421 ألف فرصة عمل محلية.
وقدمت مبادرة “الحزام والطريق” مساهمات كبيرة في عملية التحديث المصرية، ومن الأمثلة البارزة على ذلك العاصمة الإدارية الجديدة في مصر.
شُيدت هذه المدينة الحديثة في الصحراء بشرقي القاهرة، وتضم منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة التي أنشأتها شركة صينية، أطول مبنى في إفريقيا، يبلغ ارتفاعه 385.8 متر.
ويعد هذا الإنجاز شهادة على الصداقة المتنامية بين مصر والصين، ورمزا لمساهمة “السرعة الصينية” في جعل الحلم المصري حقيقة في وقت قصير. ففي غضون ما يزيد قليلا عن أربع سنوات قد شارف المشروع على الاكتمال.
من اختيار المواد إلى تطبيق التقنيات، يجسد المشروع مفهوم التنمية الخضراء ويمكن أن يساعد القاهرة على التعامل بفعالية مع تلوث الهواء وغير ذلك من “أمراض المدن الكبيرة”.
تظهر نتائج مبادرة الحزام والطريق في جميع أنحاء إفريقيا. لقد جربت سكة حديد مومباسا – نيروبي التي شيدتها الصين، وأدهشتني حداثة المحطة والقطارات. كان الركاب يستمتعون برحلة مريحة وكفاءة عالية لآلات بيع التذاكر ذاتية الخدمة، بينما يقدم الطاقم خدمات ممتازة.
حقق انفتاح الصين رفيع المستوى نجاحا مستمرا، وأصبحت مبادرة الحزام والطريق منفعة عامة دولية ومنصة للتعاون الدولي، حسبما قال كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية ومقره القاهرة، لوكالة أنباء شينخوا.
وأضاف عادل أن مبادرات الصين الأخرى، وخاصة مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي، حظيت أيضا بدعم العديد من الدول.
في العام الماضي، كان لي شرف المشاركة في أعمال ترجمة ومراجعة النسخة العربية من المجلد الرابع من كتاب “شي جين بينغ: حول الحكم والإدارة”. مع كل كلمة قرأتها، اكتسبت تقديرا أعمق لأفكار الزعيم الصيني.
وتأثرت كثيرا بكلمات الرئيس شي جين بينغ، إذ قال أثناء الخطاب الرئيسي في قمة الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب السياسية العالمية في عام 2021، إنه لا ينبغي السماح بأن تتخلف أي دولة أو أمة عن الركب على طريق تحقيق رفاهية البشرية جمعاء. وجميع الدول والأمم على قدم المساواة بشأن الحق في الحصول على فرص التنمية والحق في تحقيق التنمية.
يقول الصينيون دائما: “المزيد من الأصدقاء يعني المزيد من الفرص”. إن الصين بلد ملتزم بالانفتاح رفيع المستوى وأعتقد اعتقادا راسخا أن جهودها ستجلب المزيد من الفرص الملموسة للعالم.