قبل حوالي 10 سنوات، وبينما كان يشرح وجهات نظر الصين فيما يخص الشؤون الدولية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، يهتم فيه الجميع بأمور بعضهم البعض.
ومنذ ذلك الحين، تطور المفهوم إلى رؤية ذات أهمية عالمية، واعترف به عدد متزايد من البلدان والمنظمات الدولية.
ذكر وزير الخارجية الصيني تشين قانغ يوم الثلاثاء في مؤتمر صحفي عُقد على هامش الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني أن الصين ستعمل على دفع بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، وتعزيز وجود ديمقراطية أكبر في العلاقات الدولية، وجعل الحوكمة العالمية أكثر عدلا وإنصافا.
وأضاف أن الصين ستقدم رؤى وحلولا صينية أكثر وأفضل للمساعدة في مواجهة التحديات المشتركة للبشرية.
كما أوضح شي ذات مرة، “إن بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية لا يعني إحلال نظام محل نظام آخر أو حضارة محل حضارة أخرى. بل يتعلق بتضافر جهود البلدان ذات النظم الاجتماعية والإيديولوجيات والتاريخ والثقافات والمستويات التنموية المختلفة، من أجل المصالح المشتركة والحقوق المشتركة والمسؤوليات المشتركة في الشؤون العالمية، وخلق أكبر قدر من التآزر لبناء عالم أفضل”.
وفي هذا الصدد، ذكر جاك ميدغلي، مدير شركة الاستشارات العالمية ميدغلي وشركاه، لوسائل الإعلام، أن هناك “فرقا جوهريا للغاية” بين رؤية شي لمستقبل مشترك التي تؤكد على أهمية التفاهم وبناء مؤسسات مشتركة، والفكرة الأمريكية السائدة والمتمثلة في بناء مستقبل من خلال المنافسة.
وقال ميدغلي، وهو أيضا أستاذ مشارك مساعد في الدراسات الأمنية بجامعة جورجتاون، إنه “عندما يقول شي إن المستقبل المشترك، فهذا مستقبل يشمل الجميع ويجب أن تؤخذ فيه مصالح الجميع بعين الاعتبار. علينا أن نجد طريقة لبناء مستقبل مشترك معا، وإلا فلن يكون هناك مستقبل على الإطلاق”.
في سبتمبر من العام الماضي، نشر رئيس الوزراء الياباني السابق ياسو فوكودا كتابه الجديد ((الأعمال المجمعة لياسو فوكودا: السعي إلى السلام العالمي))، حيث كانت الكلمة الرئيسية فيه، حسبما قال فوكودا لوكالة أنباء ((شينخوا))، هي مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
وذكر فوكودا أنه يتفق تماما مع رؤية الصين لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، مشيرا إلى أنه إذا كانت هناك دولة واحدة تحقق نجاحا بمفردها في وقت لا يحقق فيه جيرانها نجاحا، فإن عدم التوازن سيؤدي إلى صراعات ستأتي بنتائج عكسية عليها.
ويرى بي.آر. ديباك، رئيس مركز دراسات الصين وجنوب شرق آسيا في جامعة جواهر لال نهرو ومقرها نيودلهي، أن هذه الرؤية تعكس إلى حد كبير القيم الأساسية للثقافة التقليدية في الصين ومنها التناغم والمساواة.
وأضاف قائلا إنه يمكن اعتبارها نتاجا لما أجرته الصين من حوار وتعلم متبادل مع الحضارات الأخرى على مدار التاريخ.
لم تقم الصين فقط بالدعوة إلى مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، بل وضعت ذلك أيضا موضع التنفيذ. فالتعاون المزدهر في إطار الحزام والطريق يُظهر كيف تترجم الصين أقوالها إلى أفعال، وكيف يساعد المفهوم على تغيير العالم.
منذ تشغيله في ديسمبر 2021، عاد خط سكة حديد الصين-لاوس، وهي مشروع تعاون رئيسي في إطار الحزام والطريق، بفوائد كبيرة على شعب لاوس وفتح طريقا جديدا لتنمية لاوس وازدهارها.
ومن جانبها، قالت بانساي ياينجفا، وهي مشرفة في محطة فينتيان بخط السكة الحديد هذا، إن “لاوس والصين تعاونتا في بناء خط السكة الحديد، وتطوير وتعميق صداقتنا، وكذا تنمية اقتصادنا في لاوس، وخاصة نقل البضائع”.
وفي معرض حديثها عن تجربتها في العمل، ذكرت أن مهنتها غيرت حياتها وجعلتها إنسانة ناضجة ومسؤولة، وقالت “أنا راضية وفخورة جدا بالعمل هنا”.
وبالإضافة إلى توفير وظائف للسكان المحليين، ساهم بناء خط سكة حديد الصين-لاوس وتشغيله أيضا في زيادة الإيرادات المالية والضريبية لحكومة لاوس.
ومن ناحية أخرى، ازدهرت قطاعات مثل التعدين والزراعة والسياحة واللوجستيات والتجارة والفنادق والعقارات في لاوس بفضل النقل عبر خط السكة الحديد هذا.
خلال العقد الماضي، جذبت مبادرة الحزام والطريق استثمارات تقدر بنحو تريليون دولار أمريكي، وأسست أكثر من 3000 مشروع تعاون، ووفرت 420 ألف وظيفة محلية، وساعدت في انتشال ما يقرب من 40 مليون شخص من الفقر، وفقا لما ذكرته وزارة الخارجية الصينية يوم الثلاثاء.
وفي هذا الإطار، قال ألماس تشوكين، وهو خبير اقتصادي قازاقي بارز، إن مشاريع الحزام والطريق أثبتت كيف يمكن للتعاون الفعال أن يحول مفهوم “بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية” إلى واقع عملي.
وفيما يتعلق بصون السلام العالمي، تمسكت الصين أيضا بروح بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية. فمن منطلق التزامها بدفع نمط جديد من العلاقات الدولية، عملت الصين على تعميق وتوسيع الشراكات العالمية القائمة على المساواة والانفتاح والتعاون.
فالصين مساهمة رئيسية بقوات في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وثاني أكبر مساهم في تمويل هذه العمليات، وأنشأت قوة احتياطية لحفظ السلام قوامها 8000 فرد.
وفي العام الماضي، اقترحت الصين مبادرة الأمن العالمي، التي تدعو إلى رؤية للأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، وتتبع فلسفة أن البشرية مجتمع أمني غير قابل للتجزئة، وتهدف إلى خلق طريق جديد للأمن يتسم بإعلاء الحوار فوق المواجهة والشراكة فوق التحالف والكسب المشترك فوق المحصلة الصفرية.
السبيل للخروج من المستنقع
في ظل التحديات الخطيرة التي يواجهها العالم مثل تباطؤ الانتعاش الاقتصادي، والانعزالية المتصاعدة، والهيمنة المتزايدة، واندلاع الصراعات الجيوسياسية، يسعى المجتمع الدولي سعيا حثيثا إلى استكشاف الطريق للمضي قدما.
“يتعين على البشرية التغلب على الصعوبات بالتضامن والسعي لتحقيق التنمية المشتركة في تناغم”، هكذا عرض شي حل الصين للمشكلات في مؤتمر عُقد بمناسبة الذكرى الـ50 لاستعادة جمهورية الصين الشعبية مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة.
إن الصين، التي تضع في اعتبارها دائما أنه “لا يمكن لأي شخص أو بلد أن يزدهر بمعزل عن غيره”، تناصر وجود اقتصاد مفتوح وتشجع على تحقيق نمو أكثر توازنا وشمولا واستدامة، على نحو يمكن العالم من تقاسم فرصه التنموية. وقد أطلقت منصات تعاون مثل معرض الصين الدولي للاستيراد وطرحت مبادرة التنمية العالمية.
في النسخة الخامسة من معرض الصين الدولي للاستيراد، تم التوصل إلى صفقات مبدئية بقيمة إجمالية تبلغ 73.52 مليار دولار أمريكي لمشتريات بضائع وخدمات على مدار عام واحد. وقد حازت مبادرة التنمية العالمية، التي ترسم مخططا لتنمية أكثر شمولا في العالم، على اعتراف دولي. وأعربت أكثر من 100 دولة وعدد من المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، عن دعمها للمبادرة، وانضمت ما يقرب من 70 دولة إلى مجموعة أصدقاء المبادرة.
ومن ناحية أخرى، قدمت الصين منافع عامة عالمية حيثما لزم الأمر. فمن أجل تضييق “فجوة التحصين” التي تكشفت أثناء الجائحة، دشنت الصين وغيرها من دول بريكس مركزا للبحث والتطوير في مجال اللقاحات لجعل اللقاحات متاحة وبأسعار معقولة للبلدان النامية.
وعلى وجه الخصوص، تستجيب الصين بنشاط لنداءات وشواغل البلدان المنكوبة بالفقر التي تتحمل العبء الأكبر في أعقاب الجائحة العالمية والانكماش الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، تساعد الصين العديد من البلدان الأفريقية، مثل موزمبيق، في تطوير الزراعة الحديثة بمساعدة نظام بيدو للملاحة عبر الأقمار الصناعية والمعدات غير المأهولة التي طورتها الصين.
وقد قال رئيس الوزراء الياباني السابق يوكيو هاتوياما إن بناء حس بوجود مستقبل مشترك أمر مهم للعالم لتجنب التشرذم ومواجهة التحديات.
وأشار هاتوياما إلى أن مبادرة الحزام والطريق تعد سبيلا هاما نحو تحقيق هذه الرؤية، مضيفا أن المبادرة ستساعد في تعزيز التنمية الاقتصادية الإقليمية والتبادلات بين الدول، وبالتالي منع النزاعات بشكل فعال.
وذكر مارتن ألبرو، زميل الأكاديمية البريطانية للعلوم الاجتماعية، لـ((شينخوا)) إن “المستقبل العالمي للجنس البشري… قضية تستحوذ على اهتمام الناس في كل مكان في العالم. هناك الكثير من الأشياء التي يجب القيام بها. حتى تتمكن الصين من أخذ زمام المبادرة في هذا الصدد”